ثُمَّ لَمْ يَلْبَثِ الْبِلَّوْصُ أَنْ عَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ سَفْكِ الدَّمِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ تَجَهَّزَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ وَسَارَ إِلَى كَرْمَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى السِّيرَجَانِ رَأَى فَسَادَهُمْ وَمَا فَعَلُوهُ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ بِكَرْمَانَ وَسِجِسْتَانَ وَخُرَاسَانَ، فَجَرَّدَ عَابِدَ بْنَ عَلِيٍّ فِي عَسْكَرٍ كَثِيفٍ، وَأَمَرَهُ بِاتِّبَاعِهِمْ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِهِ أَوْغَلُوا فِي الْهَرَبِ إِلَى مَضَايِقَ ظَنُّوا أَنَّ الْعَسْكَرَ لَا يَتَوَغَّلُهَا، فَأَقَامُوا آمِنِينَ.
فَسَارَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمْ يَشْعُرُوا إِلَّا وَقَدْ أَطَلَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْهَرَبُ، فَصَبَرُوا يَوْمَهُمْ، وَهُوَ تَاسِعُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثُمَّ انْهَزَمُوا آخِرَ النَّهَارِ، وَقُتِلَ أَكْثَرُ رِجَالِهِمُ الْمُقَاتِلَةِ، وَسُبِيَ الذَّرَارِي وَالنِّسَاءُ، وَبَقِيَ الْقَلِيلُ، وَطَلَبُوا الْأَمَانَ فَأُجِيبُوا إِلَيْهِ، وَنُقِلُوا عَنْ تِلْكَ الْجِبَالِ، وَأَسْكَنَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ مَكَانَهُمُ الْأَكَرَةَ وَالزَّرَّاعِينَ، حَتَّى طَبَّقُوا تِلْكَ الْأَرْضَ بِالْعَمَلِ، وَتَتَبَّعَ عَابِدٌ تِلْكَ الطَّوَائِفَ بَرًّا حَتَّى أَتَى عَلَيْهِمْ وَبَدَّدَ شَمْلَهُمْ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْقَرَامِطَةِ دِمَشْقَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَصَلَ الْقَرَامِطَةُ إِلَى دِمَشْقَ فَمَلَكُوهَا، وَقَتَلُوا جَعْفَرَ بْنَ فَلَاحٍ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا بَلَغَهُمُ اسْتِيلَاءُ جَعْفَرِ بْنِ فَلَاحٍ عَلَى الشَّامِ أَهَمَّهُمْ وَأَزْعَجَهُمْ وَقَلِقُوا (لِأَنَّهُ) كَانَ قَدْ تَقَرَّرَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ابْنِ طُغُجَ أَنْ يَحْمِلَ إِلَيْهِمْ كُلَّ سَنَةٍ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا مَلَكَهَا جَعْفَرٌ عَلِمُوا أَنَّ الْمَالَ يَفُوتُهُمْ، فَعَزَمُوا عَلَى قَصْدِ الشَّامِ، وَصَاحِبُهُمْ حِينَئِذٍ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَهْرَامَ الْقَرْمَطِيُّ، فَأَرْسَلَ إِلَى عِزِّ الدَّوْلَةِ بَخْتِيَارَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمُسَاعَدَةَ بِالسِّلَاحِ وَالْمَالِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَاسْتَقَرَّ الْحَالُ أَنَّهُمْ إِذَا وَصَلُوا (إِلَى الْكُوفَةِ سَائِرِينَ إِلَى الشَّامِ حُمِلَ الَّذِي اسْتَقَرَّ، فَلَمَّا وَصَلُوا " إِلَى الْكُوفَةِ أَوْصَلَ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَسَارُوا إِلَى دِمَشْقَ.
وَبَلَغَ خَبَرُهُمْ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ فَلَاحٍ فَاسْتَهَانَ بِهِمْ وَلَمْ يَحْتَرِزْ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ حَتَّى كَبَسُوهُ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ وَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَالَهُ وَسِلَاحَهُ وَدَوَابَّهُ، وَمَلَكُوا دِمَشْقَ، وَأَمَّنُوا أَهْلَهَا، وَسَارُوا إِلَى الرَّمْلَةِ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى جَمِيعِ مَا بَيْنَهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute