للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا سَمِعَ مَنْ بِهَا مِنَ الْمَغَارِبَةِ خَبَرَهُمْ سَارُوا عَنْهَا إِلَى يَافَا فَتَحَصَّنُوا بِهَا، وَمَلَكَ الْقَرَامِطَةُ الرَّمْلَةَ، وَسَارُوا إِلَى مِصْرَ، وَتَرَكُوا عَلَى يَافَا مَنْ يَحْصُرُهَا، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى مِصْرَ اجْتَمَعَ مَعَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَالْجُنْدُ وَالْإِخْشِيدِيَّةُ وَالْكَافُورِيَّةُ، فَاجْتَمَعُوا بِعَيْنِ شَمْسٍ عِنْدَ مِصْرَ، وَاجْتَمَعَ عَسَاكِرُ جَوْهَرٍ وَخَرَجُوا إِلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا غَيْرَ مَرَّةٍ، الظَّفَرُ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْأَيَّامِ لِلْقَرَامِطَةِ، وَحَصَرُوا الْمَغَارِبَةَ حَصْرًا شَدِيدًا، ثُمَّ إِنَّ الْمَغَارِبَةَ خَرَجُوا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ مِنْ مِصْرَ، وَحَمَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْقَرَامِطَةِ، فَانْهَزَمَ مَنْ بِهَا مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَصَدُوا سَوَادَ الْقَرَامِطَةِ فَنَهَبُوهُ، فَاضْطَرُّوا إِلَى الرَّحِيلِ، فَعَادُوا إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلُوا الرَّمْلَةَ.

ثُمَّ حَصَرُوا يَافَا حَصْرًا شَدِيدًا، وَضَيَّقُوا عَلَى مَنْ بِهَا، فَسَيَّرَ جَوْهَرٌ مِنْ مِصْرَ نَجْدَةً إِلَى أَصْحَابِهِ الْمَحْصُورِينَ بِيَافَا، وَمَعَهُمْ مِيرَةٌ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَرْكَبًا، فَأَرْسَلَ الْقَرَامِطَةُ مَرَاكِبَهُمْ إِلَيْهَا، فَأَخَذُوا مَرَاكِبَ جَوْهَرٍ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهَا غَيْرُ مَرْكَبَيْنِ، فَغَنِمَهَا مَرَاكِبُ الرُّومِ.

وَلِلْحُسَيْنِ بْنِ بَهْرَامَ مُقَدَّمِ الْقَرَامِطَةِ شِعْرٌ، فَمِنْهُ فِي الْمَغَارِبَةِ أَصْحَابِ الْمُعِزِّ لِدِينِ اللَّهِ:

زَعَمَتْ رِجَالُ الْغَرْبِ أَنِّي ... هِبْتُهَا فَدَمِي إِذًا مَا بَيْنَهُمْ مَطْلُولُ

يَا مِصْرُ إِنْ لَمْ أَسْقِ أَرْضَكِ مِنْ ... دَمٍ يَرْوِي ثَرَاكِ فَلَا سَقَانِي النِّيلُ

ذِكْرُ قَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الزَّنَاتِيِّ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَتَلَ يُوسُفُ بُلُكِّينُ بْنُ زِيرِي مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ خَزَرٍ الزَّنَاتِيَّ وَجَمَاعَةً مِنْ أَهْلِهِ وَبَنِي عَمِّهِ، وَكَانَ قَدْ عَصَى عَلَى الْمُعِزِّ لِدِينِ اللَّهِ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ مِنْ زَنَاتَةَ وَالْبَرْبَرِ، فَأَهَمَّ الْمُعِزَّ أَمْرُهُ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى مِصْرَ، فَخَافَ أَنْ يُخَلِّفَ مُحَمَّدًا فِي الْبِلَادِ عَاصِيًا، وَكَانَ جَبَّارًا عَاتِيًا طَاغِيًا.

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ قَتْلِهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَعَلِمَ يُوسُفُ بِهِ، فَسَارَ إِلَيْهِ جَرِيدَةً مُتَخَفِّيًا، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ مُحَمَّدٌ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ مُحَمَّدٌ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسَيْفِهِ، وَقَتَلَ يُوسُفُ الْبَاقِينَ وَأَسَرَ مِنْهُمْ، فَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُعِزِّ مَحِلًّا عَظِيمًا، وَقَعَدَ لِلْهَنَاءِ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>