فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ صِنْهَاجَةَ وَغَيْرِهِمْ، فَالْتَقَوْا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، فَكَبَا بِزِيرِي فَرَسُهُ (فَوَقَعَ) فَقُتِلَ، وَرَأَى جَعْفَرٌ مِنْ زَنَاتَةَ تَغَيُّرًا عَنْ طَاعَتِهِ، وَنَدَمًا عَلَى قَتْلِ زِيرِي، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ ابْنَهُ يُوسُفَ بُلُكِّينَ لَا يَتْرُكُ ثَأْرَ أَبِيهِ، وَلَا يَرْضَى بِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ، وَالرَّأْيُ أَنْ نَتَحَصَّنَ بِالْجِبَالِ الْمَنِيعَةِ، وَالْأَوْعَارِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَحَمَلَ مَالَهُ وَأَهْلَهُ فِي الْمَرَاكِبِ، وَبَقِيَ هُوَ مَعَ الزَّنَاتِيِّينَ، وَأَمَرَ عَبِيدَهُ (فِي الْمَرَاكِبِ) أَنْ يَعْمَلُوا فِي الْمَرَاكِبِ فِتْنَةً، فَفَعَلُوا وَهُوَ يُشَاهِدُهُمْ مِنَ الْبَرِّ، فَقَالَ لِزَنَاتَةَ: أُرِيدُ [أَنْ] أَنْظُرَ مَا سَبَبُ هَذَا الشَّرِّ، فَصَعِدَ الْمَرْكَبَ، وَنَجَا مَعَهُمْ، وَسَارَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ إِلَى الْحَاكِمِ الْأُمَوِيِّ، فَأَكْرَمَهُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَنَدِمَتْ زَنَاتَةُ كَيْفَ لَمْ يَقْتُلُوهُ وَيَغْنَمُوا مَا مَعَهُ.
ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ بُلُكِّينَ جَمَعَ فَأَكْثَرَ، وَقَصَدَ زَنَاتَةَ، وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَسَبَى نِسَاءَهُمْ، وَغَنِمَ أَوْلَادَهُمْ، وَأَمَرَ أَنْ تُجْعَلَ الْقُدُورُ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَيُطْبَخَ فِيهَا، وَلَمَّا سَمِعَ الْمُعِزُّ بِذَلِكَ سَرَّهُ أَيْضًا، وَزَادَ فِي أَقَطَاعِ بُلُكِّينَ الْمَسِيلَةَ وَأَعْمَالَهَا، وَعَظُمَ شَأْنُهُ، وَنَذْكُرُ بَاقِيَ أَحْوَالِهِ بَعْدَ مُلْكِهِ إِفْرِيقِيَّةَ.
ذِكْرُ الصُّلْحِ بَيْنَ الْأَمِيرِ مَنْصُورِ بْنِ نُوحٍ وَبَيْنَ رُكْنِ الدَّوْلَةِ وَعَضُدِ الدَّوْلَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تَمَّ الصُّلْحُ بَيْنَ الْأَمِيرِ مَنْصُورِ بْنِ نُوحٍ السَّامَانِيِّ، صَاحِبِ خُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَبَيْنَ رُكْنِ الدَّوْلَةِ وَابْنِهِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، عَلَى أَنْ يَحْمِلَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ وَابْنُهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ، إِلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَتَزَوَّجَ نُوحٌ بِابْنَةِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْهَدَايَا وَالتُّحَفِ مَا لَمْ يُحْمَلْ مِثْلُهُ، وَكُتِبَ بَيْنَهُمْ كِتَابٌ صَالِحٌ، وَشَهِدَ فِيهِ أَعْيَانُ خُرَاسَانَ، وَفَارِسَ، وَالْعِرَاقِ.
وَكَانَ الَّذِي سَعَى فِي هَذَا الصُّلْحِ وَقَرَّرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سِيمْجُورَ، صَاحِبُ جُيُوشِ خُرَاسَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَمِيرِ مَنْصُورٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute