صِنْهَاجَةَ، وَأَغَارَ بِهِمْ، وَسَبَى، فَحَسَدَتْهُ زَنَاتَةَ، وَجَمَعَتْ لَهُ لِتَسِيرَ إِلَيْهِ وَتُحَارِبَهُ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ مُجِدًّا، فَكَبَسَهُمْ لَيْلًا وَهُمْ غَارُّونَ بِأَرْضِ مُغِيلَةَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ كَثِيرًا، وَغَنِمَ مَا مَعَهُمْ، فَكَثُرَ تَبَعُهُ، فَضَاقَتْ بِهِمْ أَرْضُهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: لَوِ اتَّخَذْتَ لَنَا بَلَدًا غَيْرَ هَذَا، فَسَارَ بِهِمْ إِلَى مَوْضِعِ مَدِينَةِ أَشِيرَ، فَرَأَى مَا فِيهِ مِنَ الْعُيُونِ، فَاسْتَحْسَنَهُ، وَبَنَى فِيهِ مَدِينَةَ أَشِيرَ، وَسَكَنَهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
وَكَانَتْ زَنَاتَةُ تُفْسِدُ فِي الْبِلَادِ، فَإِذَا طَلَبُوا احْتَمَوْا بِالْجِبَالِ وَالْبَرَارِي، فَلَمَّا بُنِيَتْ أَشِيرُ صَارَتْ صِنْهَاجَةُ بَيْنَ زَنَاتَةَ وَالْبَرْبَرِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْقَائِمُ.
وَسَمِعَ زِيرِي بِغِمَارَةَ وَفَسَادِهِمْ، وَاسْتِحْلَالِهِمُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَنَّهُمْ قَدْ ظَهَرَ فِيهِمْ نَبِيٌّ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ وَغَزَاهُمْ، وَظَفِرَ بِهِمْ، وَأَخَذَ الَّذِي كَانَ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ أَسِيرًا، وَأَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ فَقَتَلَهُ.
ثُمَّ كَانَ لَهُ أَثَرٌ حَسَنٌ فِي حَادِثَةِ أَبِي يَزِيدَ الْخَارِجِيِّ، وَحَمَلَ الْمِيرَةَ إِلَى الْقَائِمِ بِالْمَهْدِيَّةِ، فَحَسُنَ مَوْقِعُهَا مِنْهُ.
ثُمَّ إِنَّ زَنَاتَةَ حَصَرَتْ مَدِينَةَ أَشِيرَ، فَجَمَعَ لَهُمْ زِيرِي جُمُوعًا كَثِيرَةً، وَجَرَى بَيْنَهُمْ عِدَّةُ وَقَعَاتٍ قُتِلَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِمْ وَاسْتَبَاحَهُمْ.
ثُمَّ ظَهَرَ بِجَبَلِ أُورَاسَ رَجُلٌ، وَخَالَفَ عَلَى الْمَنْصُورِ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، يُقَالُ لَهُ سَعِيدُ بْنُ يُوسُفَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ زِيرِي وَلَدَهُ بُلُكِّينَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، فَلَقِيَهُ عِنْدَ بَاغَايَةَ، وَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ الْخَارِجِيُّ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ هَوَارَةَ وَغَيْرِهِمْ، فَزَادَ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْمَنْصُورِ، وَكَانَ لَهُ فِي فَتْحِ مَدِينَةِ فَاسَ أَثَرٌ عَظِيمٌ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
ثُمَّ إِنَّ بُلُكِّينَ بْنَ زِيرِي قَصَدَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ خَزَرٍ الزَّنَاتِيَّ، وَقَدْ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ الْمُعِزِّ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَعَظُمَ شَأْنُهُ، فَظَفِرَ بِهِ يُوسُفُ بُلُكِّينُ، وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِي أَصْحَابِهِ، فَسُرَّ الْمُعِزُّ بِذَلِكَ سُرُورًا عَظِيمًا لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ [أَنْ] يَسْتَخْلِفَ يُوسُفَ بُلُكِّينَ عَلَى الْغَرْبِ لِقُوَّتِهِ، وَكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ، وَكَانَ يَخَافُ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى الْبِلَادِ بَعْدَ مَسِيرِهِ عَنْهَا إِلَى مِصْرَ. فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَنَاتَةَ أَمِنَ تَغَلُّبَهُ عَلَى الْبِلَادِ.
ثُمَّ إِنَّ جَعْفَرَ بْنَ عَلِيٍّ، صَاحِبَ مَدِينَةِ مَسِيلَةَ وَأَعْمَالِ الزَّابِ، كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زِيرِي مُحَاسَدَةٌ، فَلَمَّا كَثُرَ تَقَدُّمُ زِيرِي عِنْدَ الْمُعِزِّ سَاءَ ذَلِكَ جَعْفَرًا، فَفَارَقَ بِلَادَهُ وَلَحِقَ بِزَنَاتَةَ فَقَبِلُوهُ قَبُولًا عَظِيمًا، وَمَلَّكُوهُ عَلَيْهِمْ عَدَاوَةً لِزِيرِي، وَعَصَى عَلَى الْمُعِزِّ، فَسَارَ زِيرِي إِلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute