فَأَرْسَلَ إِلَى يُوسُفَ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ فَتَأَهَّبَ يُوسُفُ، وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ لِيَسِيرَ إِلَيْهِمْ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي التَّجَهُّزِ أَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ تَاهَرْتَ أَنَّ أَهْلَهَا قَدْ عَصَوْا، وَخَالَفُوا، وَأَخْرَجُوا عَامِلَهُ، فَرَحَلَ إِلَى تَاهَرْتَ فَقَاتَلَهَا، فَظَفِرَ بِأَهْلِهَا، وَخَرَّبَهَا، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِهَا أَنَّ زَنَاتَةَ قَدْ نَزَلُوا عَلَى تِلِمْسَانَ، فَرَحَلَ إِلَيْهِمْ، فَهَرَبُوا مِنْهُ، وَأَقَامَ عَلَى تِلِمْسَانَ فَحَصَرَهَا مُدَّةً ثُمَّ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَعَفَا عَنْهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ نَقَلَهُمْ إِلَى مَدِينَةَ أَشِيرَ، فَبَنَوْا عِنْدَهَا مَدِينَةً سَمَّوْهَا تِلْمِسَانَ.
ثُمَّ إِنَّ زِيَادَةَ اللَّهِ بْنَ الْقُدَيْمِ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَامِلٍ آخَرَ كَانَ مَعَهُ، اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ، مُنَافَسَةٌ صَارَتْ إِلَى مُحَارَبَةٍ، وَاجْتَمَعَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا حُرُوبٌ عِدَّةُ دَفَعَاتٍ، وَكَانَ يُوسُفُ بُلُكِّينُ مَائِلًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ لِصُحْبَةٍ قَدِيمَةٍ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَبَضَ عَلَى ابْنِ الْقُدَيْمِ وَسَجَنَهُ وَاسْتَبَدَّ بِالْأُمُورِ بَعْدَهُ، وَبَقِيَ ابْنُ الْقُدَيْمِ مَحْبُوسًا حَتَّى تُوُفِّيَ الْمُعِزُّ بِمِصْرَ، وَقَوِيَ أَمْرُ يُوسُفَ بُلُكِّينَ.
وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] طَلَعَ خَلَفُ بْنُ حُسَيْنٍ إِلَى قَلْعَةٍ مَنِيعَةٍ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْبَرْبَرِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْقُدَيْمِ الْمُسَاعِدِينَ لَهُ، فَسَمِعَ يُوسُفُ بِذَلِكَ، فَسَارَ إِلَيْهِ وَنَازَلَ الْقَلْعَةَ وَحَارَبَهُ، فَقُتِلَ بَيْنَهُمَا عِدَّةُ قَتْلَى، وَافْتَتَحَهَا، وَهَرَبَ خَلَفُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَقُتِلَ مِمَّنْ كَانَ بِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَبَعَثَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ مِنْ رُءُوسِهِمْ سَبْعَةَ آلَافِ رَأْسٍ، ثُمَّ أُخِذَ خَلَفٌ وَأُمِرَ بِهِ فَطِيفَ بِهِ عَلَى جَمَلٍ، (ثُمَّ صُلِبَ) وَسُيِّرَ رَأْسُهُ إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ بَاغَايَةَ بِذَلِكَ خَافُوا، فَصَالَحُوا يُوسُفَ وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَأَخْرَجَهُمْ مِنْ بَاغَايَةَ وَخَرَّبَ سُورَهَا.
ذِكْرُ خَبَرِ يُوسُفَ بُلُكِّينَ بْنِ زِيرِي بْنِ مَنَادٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ
هُوَ يُوسُفُ بُلُكِّينُ بْنُ زِيرِي بْنِ مَنَادٍ الصِّنْهَاجِيُّ الْحِمْيَرِيُّ، اجْتَمَعَتْ صِنْهَاجَةُ وَمَنْ وَالَاهَا بِالْمَغْرِبِ عَلَى طَاعَتِهِ، قَبْلَ أَنْ يُقَدِّمَهُ الْمَنْصُورُ، وَكَانَ أَبُوهُ مَنَادٌ كَبِيرًا فِي قَوْمِهِ، كَثِيرَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، حَسَنَ الضِّيَافَةِ لِمَنْ يَمُرُّ بِهِ، وَيُقَدِّمُ ابْنَهُ زِيرِي فِي أَيَّامِهِ، وَقَادَ كَثِيرًا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute