للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِقِتَالِ الْعَامَّةِ بِالْكَرْخِ، وَكَانَ شَدِيدَ الْعَصَبِيَّةِ لِلسُّنَّةِ، فَأَلْقَى النَّارَ فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ، فَاحْتَرَقَ حَرِيقًا عَظِيمًا، وَكَانَ عُدَّةُ مَنِ احْتَرَقَ فِيهِ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ إِنْسَانٍ، وَثَلَاثَمِائَةِ دُكَّانٍ، وَكَثِيرًا مِنَ الدُّورِ، وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ مَسْجِدًا،، وَمِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا يُحْصَى.

ذِكْرُ عَزْلِ أَبِي الْفَضْلِ مِنْ وِزَارَةِ عِزِّ الدَّوْلَةِ وَوِزَارَةِ ابْنِ بَقِيَّةَ

وَفِيهَا أَيْضًا عُزِلُ الْوَزِيرُ أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ مِنْ وِزَارَةِ عِزِّ الدَّوْلَةِ بَخْتِيَارَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَاسْتُوزِرَ مُحَمَّدُ بْنُ بَقِيَّةَ، فَعَجِبَ النَّاسُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ وَضِيعًا فِي نَفْسِهِ، وَأَهْلِ أَوَانَا، وَكَانَ أَبُوهُ أَحَدَ الزَّرَّاعِينَ، لَكِنَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ بَخْتِيَارَ، وَكَانَ يَتَوَلَّى لَهُ الْمَطْبَخَ، وَيُقَدِّمُ إِلَيْهِ الطَّعَامَ وَمِنْدِيلُ الْخِوَانِ عَلَى كَتِفِهِ، إِلَى أَنِ اسْتُوزِرَ.

وَحُبِسَ الْوَزِيرُ أَبُو الْفَضْلِ، فَمَاتَ عَنْ قَرِيبٍ، فَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ مَسْمُومًا، وَكَانَ فِي وِلَايَتِهِ مُضَيِّعًا لِجَانِبِ اللَّهِ. فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَحْرَقَ الْكَرْخَ بِبَغْدَاذَ، فَهَلَكَ فِيهِ مِنَ النَّاسِ وَالْأَمْوَالِ مَا لَا يُحْصَى، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ ظَلَمَ الرَّعِيَّةَ، وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ لِيُفَرِّقَهَا عَلَى الْجُنْدِ لِيَسْلَمَ، فَمَا سَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ يَقُولُ: «مَنْ أَرْضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» .

وَكَانَ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ أَبْلَغَ الطُّرُقِ الَّتِي سَلَكَهَا أَعْدَاؤُهُ مِنَ الْوَقِيعَةِ فِيهِ، وَالسَّعْيِ بِهِ، وَتَمَشَّى لَهُمْ مَا أَرَادُوا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ تَفْرِيطِهِ فِي أَمْرِ دِينِهِ، وَظُلْمِ رَعِيَّتِهِ، وَعَقِبَ ذَلِكَ أَنَّ زَوْجَتَهُ مَاتَتْ وَهُوَ مَحْبُوسٌ وَحَاجِبَهُ وَكَاتِبَهُ، فَخَرِبَتْ دَارُهُ، وَعُفِيَ أَثَرُهَا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْأَقْدَارِ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَخْتِمَ بِخَيْرٍ أَعْمَالَنَا، فَإِنَّ الدُّنْيَا إِلَى زَوَالٍ مَا هِيَ.

وَأَمَّا ابْنُ بَقِيَّةَ فَإِنَّهُ اسْتَقَامَتْ أُمُورُهُ، وَمَشَتِ الْأَمْوَالُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَمْوَالِ أَبِي

<<  <  ج: ص:  >  >>