الْأَشْيَاءَ بِأَوْفَى الْأَثْمَانِ. فَلَمَّا سَمِعَ بَخْتِيَارُ بِذَلِكَ أَعَادَ وَزِيرَهُ ابْنَ بَقِيَّةَ، وَالْحَاجِبَ سُبُكْتِكِينَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَأَمَّا ابْنُ بَقِيَّةَ فَدَخَلَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَأَمَّا سُبُكْتِكِينُ فَأَقَامَ بِحَرْبَى، وَكَانَ أَبُو تَغْلِبَ قَدْ قَارَبَ بَغْدَاذَ، فَثَارَ الْعَيَّارُونَ بِهَا، وَأَهْلُ الشَّرِّ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَوَقَعَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَحَمَلَ أَهْلُ سُوقِ الطَّعَامِ، وَهُمْ مِنَ السُّنَّةِ، امْرَأَةً عَلَى جَمَلٍ وَسَمَّوْهَا عَائِشَةَ، وَسَمَّى بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ طَلْحَةَ، وَبَعْضُهُمُ الزُّبَيْرُ، وَقَاتَلُوا (الْفِرْقَةَ الْأُخْرَى) ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: نُقَاتِلُ أَصْحَابَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَأَمْثَالَ هَذَا الشَّرِّ.
وَكَانَ الْجَانِبُ الشَّرْقِيُّ آمِنًا، وَالْجَانِبُ الْغَرْبِيُّ مَفْتُونًا، فَأُخِذَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْعَيَّارِينَ وَقُتِلُوا، فَسَكَنَ النَّاسُ بَعْضَ السُّكُونِ، وَأَمَّا أَبُو تَغْلِبَ لَمَّا بَلَغَهُ دُخُولُ ابْنِ بَقِيَّةَ بَغْدَاذَ، وَنُزُولُ سُبُكْتِكِينَ الْحَاجِبَ بِحَرْبَى، عَادَ عَنْ بَغْدَاذَ، وَنَزَلَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ، وَجَرَى بَيْنَهُمَا مُطَارَدَةٌ يَسِيرَةٌ، ثُمَّ اتَّفَقَا فِي السِّرِّ عَلَى أَنْ يُظْهِرَا الِاخْتِلَافَ إِلَى أَنْ يَتَمَكَّنَا مِنَ الْقَبْضِ عَلَى الْخَلِيفِهِ وَالْوَزِيرِ وَوَالِدَةِ بَخْتِيَارَ وَأَهْلِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ انْتَقَلَ سُبُكْتِكِينُ إِلَى بَغْدَاذَ، وَعَادَ أَبُو تَغْلِبَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَيَبْلُغُ مِنْ بَخْتِيَارَ مَا أَرَادَ وَيَمْلِكُ دَوْلَتَهُ.
ثُمَّ إِنَّ سُبُكْتِكِينَ خَافَ سُوءَ الْأُحْدُوثَةِ، فَتَوَقَّفَ وَسَارَ الْوَزِيرُ ابْنُ بَقِيَّةَ إِلَى سُبُكْتِكِينَ، فَاجْتَمَعَ بِهِ، وَانْفَسَخَ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَتَرَاسَلُوا فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنَّ أَبَا تَغْلِبَ يَضْمَنُ الْبِلَادَ عَلَى مَا كَانَتْ مَعَهُ، وَعَلَى أَنْ يُطْلِقَ لِبَخْتِيَارَ ثَلَاثَةَ آلَافِ كُرٍّ غَلَّةً عِوَضًا عَنْ مَئُونَةِ سَفَرِهِ، وَعَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَى أَخِيهِ حَمْدَانَ أَمْلَاكَهُ وَأَقْطَاعَهُ، إِلَّا مَارِدِينَ.
وَلَمَّا اصْطَلَحُوا أَرْسَلُوا إِلَى بَخْتِيَارَ بِذَلِكَ لِيَرْحَلَ عَنِ الْمَوْصِلِ، وَعَادَ أَبُو تَغْلِبَ إِلَيْهَا وَدَخَلَ سُبُكْتِكِينُ بَغْدَاذَ، وَأَسْلَمَ بَخْتِيَارُ. فَلَمَّا سَمِعَ بَخْتِيَارُ بِقُرْبِ أَبِي تَغْلِبَ مِنْهُ خَافَهُ لِأَنَّ عَسْكَرَهُ قَدْ عَادَ أَكْثَرُهُ مَعَ سُبُكْتِكِينَ، وَطَلَبَ الْوَزِيرُ ابْنُ بَقِيَّةَ مِنْ سُبُكْتِكِينَ أَنْ يَسِيرَ نَحْوَ بَخْتِيَارَ، فَتَثَاقَلَ، ثُمَّ فَكَّرَ فِي الْعَوَاقِبِ، فَسَارَ عَلَى مَضَضٍ، وَكَانَ أَظْهَرَ لِلنَّاسِ مَا كَانَ هَمَّ بِهِ.
وَأَمَّا بَخْتِيَارُ فَإِنَّهُ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَهُوَ بِالدَّيْرِ الْأَعْلَى، وَنَزَلَ أَبُو تَغْلِبَ بِالْحَصْبَاءِ، (تَحْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute