الْمَوْصِلِ) ، وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ الْبَلَدِ، وَتَعَصَّبَ أَهْلُ الْمَوْصِلِ لِأَبِي تَغْلِبَ، وَأَظْهَرُوا مَحَبَّتَهُ لِمَا نَالَهُمْ مِنْ بَخْتِيَارَ مِنَ الْمُصَادَرَاتِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَدَخَلَ النَّاسُ بَيْنَهُمَا فِي الصُّلْحِ، فَطَلَبَ أَبُو تَغْلِبَ مِنْ بَخْتِيَارَ أَنْ يُلَقَّبَ لَقَبًا سُلْطَانِيًّا، وَأَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ زَوْجَتَهُ ابْنَةَ بَخْتِيَارَ، وَأَنْ يَحُطَّ عَنْهُ الْقَرَارَ. فَأَجَابَهُ بَخْتِيَارُ خَوْفًا مِنْهُ، وَتَحَالَفَا، وَسَارَ بَخْتِيَارُ عَنِ الْمَوْصِلِ عَائِدًا إِلَى بَغْدَاذَ، فَأَظْهَرَ أَهْلُ الْمَوْصِلِ السُّرُورَ بِرَحِيلِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسَاءَ مَعَهُمُ السِّيرَةَ وَظَلَمَهُمْ.
فَلَمَّا وَصَلَ بَخْتِيَارُ إِلَى الْكُحَيْلِ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا تَغْلِبَ قَدْ قَتَلَ قَوْمًا كَانُوا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَدِ اسْتَأْمَنُوا إِلَى بَخْتِيَارَ، فَعَادُوا إِلَى الْمَوْصِلِ لِيَأْخُذُوا مَا لَهُمْ بِهَا مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ فَقَتَلَهُمْ. فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَأَقَامَ بِمَكَانِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْوَزِيرِ أَبِي طَاهِرِ بْنِ بَقِيَّةَ وَالْحَاجِبِ سُبُكْتِكِينَ يَأْمُرُهُمَا بِالْإِصْعَادِ إِلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا يَأْمُرُهُمَا بِالتَّوَقُّفِ، وَيَقُولُ لَهُمَا إِنَّ الصُّلْحَ قَدِ اسْتَقَرَّ، فَلَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهَا يَطْلُبُهَا أُصْعِدَا إِلَيْهِ فِي الْعَسَاكِرِ، فَعَادُوا جَمِيعُهُمْ، (إِلَى الْمَوْصِلِ) ، وَنَزَلُوا بِالدَّيْرِ الْأَعْلَى أَوَاخِرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَفَارَقَهَا أَبُو تَغْلِبَ إِلَى تَلِّ يَعْفُرَ، وَعَزَمَ عِزُّ الدَّوْلَةِ عَلَى قَصْدِهِ وَطَلَبِهِ أَيْنَ سَلَكَ، فَأَرْسَلَ أَبُو تَغْلِبَ كَاتِبَهُ وَصَاحِبَهُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي عَمْرٍو إِلَى عِزِّ الدَّوْلَةِ، فَاعْتَقَلَهُ، وَاعْتَقَلَ مَعَهُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ عُرْسٍ، وَأَبَا أَحْمَدَ بْنَ حَوْقَلٍ.
وَمَا زَالَتِ الْمُرَاسَلَاتُ بَيْنَهُمَا، وَحَلَفَ أَبُو تَغْلِبَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِقَتْلِ أُولَئِكَ، فَعَادَ الصُّلْحُ وَاسْتَقَرَّ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ مَا اسْتَقَرَّ مِنَ الْمَالِ، فَأَرْسَلَ عِزُّ الدَّوْلَةِ الشَّرِيفَ أَبَا أَحْمَدَ الْمُوسَوِيَّ، وَالْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَحَلَّفَا أَبَا تَغْلِبَ، وَتَجَدَّدَ الصُّلْحُ، وَانْحَدَرَ عِزُّ الدَّوْلَةِ عَنِ الْمَوْصِلِ سَابِعَ عَشَرَ رَجَبٍ، وَعَادَ أَبُو تَغْلِبَ إِلَى بَلَدِهِ.
وَلَمَّا عَادَ بَخْتِيَارُ عَنِ الْمَوْصِلِ جَهَّزَ ابْنَتَهُ وَسَيَّرَهَا إِلَى أَبِي تَغْلِبَ، وَبَقِيَتْ مَعَهُ إِلَى أَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ خَبَرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute