ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بَيْنَ بَخْتِيَارَ وَأَصْحَابِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ ابْتَدَأَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْأَتْرَاكِ وَالدَّيْلَمِ بِالْأَهْوَازِ، فَعَمَّتِ الْعِرَاقَ جَمِيعَهُ، وَاشْتَدَّتْ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عِزَّ الدَّوْلَةِ بَخْتِيَارَ قَلَّتْ عَنْهُ الْأَمْوَالُ، وَكَثُرَ إِدْلَالُ جُنْدِهِ، وَاطِّرَاحُهُمْ لِجَانِبِهِ، وَشَغَبُهُمْ، فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقَرَارُ، وَلَمْ يَجِدْ دِيوَانُهُ وَوَزِيرُهُ جِهَةً يَحْتَالُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَتَوَجَّهُوا إِلَى الْمَوْصِلِ لِهَذَا السَّبَبِ، فَلَمْ يَنْفَتِحْ عَلَيْهِمْ، فَرَأَوْا أَنْ يَتَوَجَّهُوا إِلَى الْأَهْوَازِ، وَيَتَعَرَّضُوا لِبُخْتِكِينَ آزَادْرَوَيْهِ وَكَانَ مُتَوَلِّيَهَا، وَيَعْمَلُوا لَهُ حُجَّةً يَأْخُذُونَ مِنْهُ مَالًا وَمِنْ غَيْرِهِ، فَسَارَ بَخْتِيَارُ وَعَسْكَرُهُ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُ سُبُكْتِكِينُ التُّرْكِيُّ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْأَهْوَازِ خَدَمَ بَخْتِيَارَ وَحَمَلَ لَهُ أَمْوَالًا جَلِيلَةَ الْمِقْدَارِ، وَبَذَلَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ الطَّاعَةَ، وَبَخْتِيَارُ يُفَكِّرُ فِي طَرِيقٍ يَأْخُذُهُ بِهِ.
فَاتَّفَقَ أَنَّهُ جَرَى فِتْنَةٌ بَيْنَ الْأَتْرَاكِ وَالدَّيْلَمِ، وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ بَعْضَ الدَّيْلَمِ نَزَلَ دَارًا بِالْأَهْوَازَ، وَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْهُ بَعْضُ الْأَتْرَاكِ، وَكَانَ هُنَاكَ لَبِنٌ مَوْضُوعٌ فَأَرَادَ غُلَامُ الدَّيْلَمِيِّ [أَنْ] يَبْنِيَ مِنْهُ مَعْلِفًا لِلدَّوَابِّ، فَمَنَعَهُ غُلَامُ التُّرْكِيِّ، فَتَضَارَبَا، وَخَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ التُّرْكِيِّ وَالدَّيْلَمِيِّ إِلَى نُصْرَةِ غُلَامِهِ، فَضَعُفَ التُّرْكِيُّ عَنْهُ، فَرَكِبَ، وَاسْتَنْصَرَ بِالْأَتْرَاكِ، فَرَكِبُوا الدَّيْلَمَ، وَأَخَذُوا السِّلَاحَ، فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ بَعْضُ قُوَّادِ الْأَتْرَاكِ، وَطَلَبَ الْأَتْرَاكُ بِثَأْرِ صَاحِبِهِمْ، وَقَتَلُوا بِهِ مِنَ الدَّيْلَمِ قَائِدًا أَيْضًا، وَخَرَجُوا إِلَى الْبَلَدِ.
وَاجْتَهَدَ فِي تَسْكِينِ الْفِتْنَةِ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ، فَاسْتَشَارَ الدَّيْلَمَ فِيمَا يَفْعَلُهُ، كَانَ أُذُنًا يَتْبَعُ كُلَّ قَائِلٍ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِقَبْضِ رُؤَسَاءِ الْأَتْرَاكِ لِتَصْفُوَ لَهُ الْبِلَادُ، فَأَحْضَرُوا آزَادْرَوَيْهِ وَكَاتِبَهُ سَهْلَ بْنَ بِشْرٍ، وَسَبَاشَى الْخُوَارَزْمِيَّ بَكْتِيجُورَ، وَكَانَ حَمًا لِسُبُكْتِكِينَ، فَحَضَرُوا، فَاعْتَقَلَهُمْ وَقَيَّدَهُمْ، وَأَطْلَقَ الدَّيْلَمَ فِي الْأَتْرَاكِ، فَنَهَبُوا أَمْوَالَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute