للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّرَايَا فِي الْبِلَادِ يَنْهَبُونَهَا فَكَثُرَتْ جُمُوعُهُ، وَأَتَاهُ مِنَ الْعَرَبِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ مِمَّنْ أَتَاهُ حَسَّانُ بْنُ الْجَرَّاحِ الطَّائِيُّ، أَمِيرُ الْعَرَبِ بِالشَّامِ، وَمَعَهُ جَمْعٌ عَظِيمٌ.

فَلَمَّا رَأَى الْمُعِزُّ كَثْرَةَ جُمُوعِهِ اسْتَعْظَمَ ذَلِكَ وَأَهَمَّهُ، وَتَحَيَّرَ فِي أَمْرِهِ، وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَى إِخْرَاجِ عَسْكَرِهِ لِقِتَالِهِ، فَاسْتَشَارَ أَهْلَ الرَّأْيِ مِنْ نُصَحَائِهِ، فَقَالُوا: لَيْسَ حِيلَةٌ غَيْرَ السَّعْيِ فِي تَفْرِيقِ كَلِمَتِهِمْ، وَإِلْقَاءِ الْخُلْفِ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِابْنِ الْجَرَّاحِ، فَرَاسَلَهُ الْمُعِزُّ وَاسْتَمَالَهُ، وَبَذَلَ لَهُ مِائَةَ أَلْفَ دِينَارٍ إِنْ هُوَ خَالَفَ عَلَى الْقَرْمَطِيِّ، فَأَجَابَهُ ابْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى مَا طَلَبَ مِنْهُ، فَاسْتَحْلَفُوهُ، فَحَلَفَ أَنَّهُ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْمَالُ الْمُقَرَّرُ انْهَزَمَ بِالنَّاسِ.

فَأَحْضَرُوا الْمَالَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ اسْتَكْثَرُوهُ، فَضَرَبُوا أَكْثَرَهَا دَنَانِيرَ مِنْ صَفَرَ، وَأَلْبَسُوهَا الذَّهَبَ، وَجَعَلُوهَا فِي أَسْفَلِ الْأَكْيَاسِ، وَجَعَلُوا الذَّهَبَ الْخَاصَّ عَلَى رُءُوسِهَا، وَحُمِلَ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْمُعِزِّ أَنْ يَخْرُجَ فِي عَسْكَرِهِ يَوْمَ كَذَا وَيُقَاتِلُوهُ وَهُوَ فِي الْجِهَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَإِنَّهُ يَنْهَزِمُ، فَفَعَلَ الْمُعِزُّ ذَلِكَ فَانْهَزَمَ وَتَبِعَهُ الْعَرَبُ كَافَّةً، فَلَمَّا رَآهُ الْحَسَنُ الْقَرْمَطِيُّ مُنْهَزِمًا تَحَيَّرَ فِي أَمْرِهِ، وَثَبَتَ، وَقَاتَلَ بِعَسْكَرِهِ إِلَّا أَنَّ عَسْكَرَ الْمُعِزِّ طَمِعُوا فِيهِ وَتَابَعُوا الْحَمَلَاتِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَرْهَقُوهُ، فَوَلَّى مُنْهَزِمًا، وَاتَّبَعُوا أَثَرَهُ، وَظَفِرُوا بِمُعَسْكَرِهِ فَأَخَذُوا مَنْ فِيهِ أَسْرَى، وَكَانُوا نَحْوَ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ أَسِيرٍ، فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ، وَنُهِبَ مَا فِي الْمُعَسْكَرِ.

وَجُرِّدَ الْمُعِزُّ الْقَائِدُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ فِي عَشَرَةِ آلَافِ رَجُلٍ، وَأَمَرَهُ بِاتِّبَاعِ الْقَرَامِطَةِ بِهِمْ، فَاتَّبَعَهُمْ، وَتَثَاقَلَ فِي سَيْرِهِ خَوْفًا أَنْ تَرْجِعَ الْقَرَامِطَةُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا هُمْ فَإِنَّهُمْ سَارُوا حَتَّى نَزَلُوا أَذْرِعَاتٍ، وَسَارُوا مِنْهُمْ إِلَى بَلَدِهِمُ الْأَحْسَاءِ، وَيُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَعُودُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>