ذِكْرُ مُلْكِ الْمُعِزِّ دِمَشْقَ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْفِتَنِ
لَمَّا بَلَغَ الْمُعِزَّ انْهَزَامُ الْقَرْمَطِيِّ مِنَ الشَّامِ، وَعَوْدُهُ إِلَى بِلَادِهِ، أَرْسَلَ الْقَائِدَ ظَالِمَ بْنَ مَوْهِبٍ الْعُقَيْلِيَّ وَالِيًا عَلَى دِمَشْقَ، فَدَخَلَهَا، وَعَظُمَ حَالُهُ، وَكَثُرَتْ جُمُوعُهُ وَأَمْوَالُهُ وَعُدَّتُهُ، لِأَنَّ أَبَا الْمُنَجَّى وَابْنَهُ صَاحِبَيِ الْقَرْمَطِيِّ كَانَا بِدِمَشْقَ، وَمَعَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْقَرَامِطَةِ، فَأَخْذَهُمْ ظَالِمٌ وَحَبَسَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَجَمِيعَ مَا يَمْلِكُونَ.
ثُمَّ إِنَّ الْقَائِدَ أَبَا مَحْمُودٍ الَّذِي سَيَّرَهُ الْمُعِزُّ يَتْبَعُ الْقَرَامِطَةَ وَصَلَ إِلَى دِمَشْقَ بَعْدَ وُصُولِ ظَالِمٍ إِلَيْهَا بِأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ، فَخَرَجَ ظَالِمٌ مُتَلَقِّيًا لَهُ مَسْرُورًا بِقُدُومِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَشْعِرًا مِنْ عَوْدِ الْقَرْمَطِيِّ إِلَيْهِ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَنْزِلَ بِعَسْكَرِهِ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ، فَفَعَلَ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ أَبَا الْمُنَجَّى وَابْنَهُ وَرَجُلًا آخَرَ يُعْرَفُ بِالنَّابُلُسِيِّ، وَكَانَ هَرَبَ مِنَ الرَّمْلَةِ، وَتَقَرَّبَ إِلَى الْقَرْمَطِيِّ، فَأُسِرَ بِدِمَشْقَ أَيْضًا، فَحَمَلَهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ إِلَى مِصْرَ، فَسُجِنَ أَبُو الْمُنَجَّى وَابْنُهُ، وَقِيلَ لِلنَّابُلُسِيِّ: أَنْتَ الَّذِي قُلْتَ: لَوْ أَنَّ مَعِي عَشَرَةَ أَسْهُمٍ لَرَمَيْتُ تِسْعَةً فِي الْمَغَارِبَةِ وَوَاحِدًا فِي الرُّومِ؟ فَاعْتَرَفَ، فَسُلِخَ جِلْدُهُ وَحُشِيَ تِبْنًا وَصُلِبَ.
وَلَمَّا نَزَلَ أَبُو مَحْمُودٍ بِظَاهِرِ دِمَشْقَ امْتَدَّتْ أَيْدِي أَصْحَابِهِ بِالْعَيْثِ وَالْفَسَادِ، وَقَطْعِ الطُّرُقِ، فَاضْطَرَبَ النَّاسُ وَخَافُوا، ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ الشُّرْطَةِ أَخَذَ إِنْسَانًا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَقَتَلَهُ، فَثَارَ بِهِ الْغَوْغَاءُ وَالْأَحْدَاثُ، وَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ، وَأَقَامَ ظَالِمٌ بَيْنَ الرَّعِيَّةِ يُدَارِيهِمْ، وَانْتَزَحَ أَهْلُ الْقُرَى مِنْهَا لِشِدَّةِ نَهْبِ الْمَغَارِبَةِ أَمْوَالَهُمْ، وَظُلْمِهِمْ لَهُمْ. وَدَخَلُوا الْبَلَدَ، فَلَمَّا كَانَ نِصْفُ شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ عَسْكَرِ أَبِي مَحْمُودٍ وَبَيْنَ الْعَامَّةِ، وَجَرَى بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ قِتَالٌ شَدِيدٌ، وَظَالِمٌ مَعَ الْعَامَّةِ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِصْلَاحَ، وَلَمْ يُكَاشِفْ أَبَا مَحْمُودٍ، وَانْفَصَلُوا.
ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ أَبِي مَحْمُودٍ أَخَذُوا مِنَ الْغُوطَةِ قُفْلًا مِنْ حُورَانَ، وَقَتَلُوا مِنْهُ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ، فَأَخَذَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَأَلْقَوْهُمْ فِي الْجَامِعِ، فَأُغْلِقَتِ الْأَسْوَاقُ، وَخَافَ النَّاسُ، وَأَرَادُوا الْقِتَالَ، فَسَكَّنَهُمْ عُقَلَاؤُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute