مِنْ أَكَابِرِ قُوَّادِهِمْ وَمَوَالِي مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، وَفَرِحَ بَخْتِيَارُ بِمَوْتِ سُبُكْتِكِينَ، وَظَنَّ أَنَّ أَمْرَ الْأَتْرَاكِ يَنْحَلُّ وَيَنْتَشِرُ بِمَوْتِهِ، فَلَمَّا رَأَى انْتِظَامَ أُمُورِهِمْ سَاءَهُ ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ الْأَتْرَاكَ سَارُوا إِلَيْهِ، وَهُوَ بِوَاسِطَ، فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُ، وَصَارُوا يُقَاتِلُونَهُ نَوَائِبَ، نَحْوَ خَمْسِينَ يَوْمًا، وَلَمْ تَزَلِ الْحَرْبُ بَيْنَ الْأَتْرَاكِ وَبَخْتِيَارَ مُتَّصِلَةً، وَالظَّفَرُ لِلْأَتْرَاكِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَحَصَرُوا بَخْتِيَارَ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحِصَارُ، وَأَحْدَقُوا بِهِ، وَصَارَ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، وَتَابَعَ إِنْفَاذَ الرُّسُلِ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ بِالْحَثِّ وَالْإِسْرَاعِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: فَإِنْ كُنْتُ مَأْكُولًا فَكُنْ أَنْتَ آكِلِي وَإِلَّا فَأَدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ
فَلَمَّا رَأَى عَضُدُ الدَّوْلَةِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ بَلَغَ بِبَخْتِيَارَ مَا كَانَ يَرْجُوهُ، سَارَ نَحْوَ الْعِرَاقِ نَجْدَةً لَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَبَاطِنُهُ بِضِدِّ ذَلِكَ.
ذِكْرُ مُلْكِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ عُمَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَوْلَى الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ الْمُطَهِّرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَزِيرُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ عَلَى جِبَالِ عُمَانَ، وَمَنْ بِهَا مِنَ الشُّرَاةِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ لَمَّا تُوُفِّيَ، وَبِعُمَانَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْعَبَّاسِ، نَائِبُ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، فَارَقَهَا، فَتَوَلَّى أَمْرَهَا عُمَرُ بْنُ نَهْبَانَ الطَّائِيُّ، وَأَقَامَ الدَّعْوَةَ لِعَضُدِ الدَّوْلَةِ، ثُمَّ إِنَّ الزِّنْجَ غَلَبَتْ عَلَى الْبَلَدِ، وَمَعَهُمْ طَوَائِفُ مِنَ الْجُنْدِ، وَقَتَلُوا ابْنَ نَهْبَانَ، وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ إِنْسَانًا يُعْرَفُ بِابْنِ حَلَّاجٍ، فَسَيَّرَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ جَيْشًا مِنْ كَرْمَانَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ أَبَا حَرْبٍ طُغَانَ، فَسَارُوا فِي الْبَحْرِ إِلَى عُمَانَ، فَخَرَجَ أَبُو حَرْبٍ مِنَ الْمَرْكَبِ إِلَى الْبَرِّ وَسَارَتِ الْمَرَاكِبُ فِي الْبَحْرِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَتَوَافَوْا عَلَى صُحَارِ قَصَبَةِ عُمَانَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الْجُنْدُ وَالزِّنْجُ وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَظَفِرَ أَبُو حَرْبٍ، وَاسْتَوْلَى عَلَى صُحَارَ، وَانْهَزَمَ أَهْلُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute