للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِتَنِ، وَعَدَمِ الطَّعَامِ وَالْقُوتِ بِهَا، وَكَبْسِ الْفَتْكِينِ الْمَنَازِلَ فِي طَلَبِ الطَّعَامِ.

وَسَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ نَحْوَ بَغْدَاذَ، فَلَقِيَهُ الْفَتْكِينُ وَالْأَتْرَاكُ بَيْنَ دَيَالَى وَالْمَدَائِنِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَانْهَزَمَ الْأَتْرَاكُ فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَوَصَلُوا إِلَى دَيَالَى فَعَبَرُوا عَلَى جُسُورٍ كَانُوا عَمِلُوهَا عَلَيْهِ، فَغَرِقَ مِنْهُمْ أَكْثَرُهُمْ مِنَ الزَّحْمَةِ، وَكَذَلِكَ قُتِلَ وَغَرِقَ مِنَ الْعَيَّارِينَ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ مِنْ بَغْدَاذَ، وَاسْتَبَاحُوا عَسْكَرَهُمْ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ رَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى.

وَسَارَ الْأَتْرَاكُ إِلَى تَكْرِيتَ، وَسَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ فَنَزَلَ بِظَاهِرِ بَغْدَاذَ، فَلَمَّا عَلِمَ وُصُولَ الْأَتْرَاكِ إِلَى تَكْرِيتَ دَخَلَ بَغْدَاذَ وَنَزَلَ بِدَارِ الْمَمْلَكَةِ، وَكَانَ الْأَتْرَاكُ قَدْ أَخَذُوا الْخَلِيفَةَ مَعَهُمْ كَارِهًا، فَسَعَى عَضُدُ الدَّوْلَةِ حَتَّى رَدَّهُ إِلَى بَغْدَاذَ، فَوَصَلَهَا ثَامِنَ رَجَبٍ فِي الْمَاءِ وَخَرَجَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ فَلَقِيَهُ فِي الْمَاءِ أَيْضًا، وَامْتَلَأَتْ دِجْلَةُ بِالسُّمَيْرِيَّاتِ وَالزَّبَازِبِ، وَلَمْ يَبْقَ بِبَغْدَاذَ أَحَدٌ، وَلَوْ أَرَادَ إِنْسَانٌ أَنْ يَعْبُرَ دِجْلَةَ عَلَى السُّمَيْرِيَّاتِ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى أُخْرَى لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِكَثْرَتِهَا، وَسَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ مَعَ الْخَلِيفَةِ وَأَنْزَلَهُ بِدَارِ الْخِلَافَةِ.

وَكَانَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ قَدْ طَمِعَ فِي الْعِرَاقِ، وَاسْتَضْعَفَ بَخْتِيَارَ، وَإِنَّمَا خَافَ أَبَاهُ رُكْنَ الدَّوْلَةِ، فَوَّضَ جُنْدَ بَخْتِيَارَ عَلَى أَنْ يَثُورُوا بِهِ وَيَشْغَبُوا عَلَيْهِ، وَيُطَالِبُوهُ بِأَمْوَالِهِمْ وَالْإِحْسَانِ لِأَجْلِ صَبْرِهِمْ مُقَابِلَ الْأَتْرَاكِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَبَالَغُوا، وَكَانَ بَخْتِيَارُ لَا يَمْلِكُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَقَدْ نُهِبَ الْبَعْضُ، وَأَخْرَجَ هُوَ الْبَاقِيَ، وَالْبِلَادُ خَرَابٌ، فَلَا تَصِلُ يَدُهُ إِلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا.

وَأَشَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ عَلَى بَخْتِيَارَ بِتَرْكِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِمْ، وَالْغِلْظَةِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَا يَعِدَهُمْ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُعَرِّفَهُمْ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْإِمَارَةَ وَالرِّئَاسَةَ عَلَيْهِمْ، وَوَعَدَهُ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ تَوَسَّطَ الْحَالَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا يُرِيدُهُ. فَظَنَّ بَخْتِيَارُ أَنَّهُ نَاصِحٌ لَهُ، مُشْفِقٌ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَاسْتَعْفَى مِنَ الْإِمَارَةِ، وَأَغْلَقَ بَابَ دَارِهِ، وَصَرَفَ كُتَّابَهُ وَحُجَّابَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>