عَلَى قَصْدِنَا بِمَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ تَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ لِيَمُوتُوا جَوْعًا، وَنَأْخُذُهُمْ بِالسَّيْفِ، فَامْتَنَعَ الْفَتْكِينُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا أَغْدِرُ بِهِ، وَأَذِنَ لِجَوْهَرٍ وَلِمَنْ مَعَهُ بِالسَّيْرِ إِلَى مِصْرَ، فَسَارَ إِلَيْهِ، وَاجْتَمَعَ بِالْعَزِيزِ، وَشَرَحَ لَهُ الْحَالَ وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُهُمْ فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِكَ، وَإِلَّا فَهَمَّ وَاصِلُونَ عَلَى أَثَرِي، فَبَرَزَ الْعَزِيزُ، وَفَرَّقَ الْأَمْوَالَ، وَجَمَعَ الرِّجَالَ، وَسَارَ وَجَوْهَرٌ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ.
وَوَرَدَ الْخَبَرُ إِلَى الْفَتْكِينِ وَالْقَرْمَطِيِّ فَعَادَا إِلَى الرَّمْلَةِ، وَجَمَعَا الْعَرَبَ وَغَيْرَهَا، وَحَشَدَا، وَوَصَلَ الْعَزِيزُ فَنَزَلَ بِظَاهِرِ الرَّمْلَةِ، وَنَزَلَا بِالْقُرْبِ مِنْهُ، ثُمَّ اصْطَفَوْا لِلْحَرْبِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَرَأَى الْعَزِيزُ مِنْ شَجَاعَةِ الْفَتْكِينِ مَا أَعْجَبَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ (فِي تِلْكَ الْحَالِ) يَدْعُوهُ إِلَى طَاعَتِهِ، وَيَبْذُلُ لَهُ الرَّغَائِبَ وَالْوِلَايَاتِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ مُقَدِّمَ عَسْكَرِهِ، وَالْمَرْجُوعَ إِلَيْهِ فِي دَوْلَتِهِ، وَيَطْلُبُ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ وَيَسْمَعَ قَوْلَهُ، فَتَرَجَّلَ وَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: قُلْ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: لَوْ قَدَّمَ هَذَا الْقَوْلَ لَسَارَعْتُ وَأَطَعْتُ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَا يُمْكِنُ إِلَّا مَا تَرَى. (وَحُمِلَ عَلَى الْمَسِيرَةِ) فَهَزَمَهَا، وَقَتَلَ كَثِيرًا مِنْهَا فَلَمَّا رَأَى الْعَزِيزُ ذَلِكَ حُمِلَ مِنَ الْقَلْبِ، وَأَمَرَ الْمَيْمَنَةَ (فَحُمِلَتْ، فَانْهَزَمَ الْقَرْمَطِيُّ وَالْفَتْكِينُ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَوَضَعَ الْمَغَارِبَةُ السَّيْفَ، فَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ، وَقَتَلُوا نَحْوَ عِشْرِينَ أَلْفًا.
وَنَزَلَ الْعَزِيزُ فِي خِيَامِهِ، وَجَاءَهُ النَّاسُ بِالْأَسْرَى، فَكُلُّ مَنْ أَتَاهُ بِأَسِيرٍ خَلَعَ عَلَيْهِ، وَبَذَلَ لِمَنْ أَتَاهُ بِالْفَتْكِينِ أَسِيرًا مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، (وَكَانَ الْفَتْكِينُ) قَدْ مَضَى مُنْهَزِمًا فَكَظَّهُ الْعَطَشُ، فَلَقِيَهُ الْمُفَرِّجُ بْنُ دَغْفَلٍ الطَّائِيُّ وَكَانَ بَيْنَهُمَا أُنْسٌ قَدِيمٌ، فَطَلَبَ مِنْهُ الْفَتْكِينُ مَاءً، فَسَقَاهُ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ إِلَى بَيْتِهِ فَأَنْزَلَهُ وَأَكْرَمَهُ، وَسَارَ إِلَى الْعَزِيزِ بِاللَّهِ فَأَعْلَمَهُ بِأَسْرِ الْفَتْكِينِ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْمَالَ، فَأَعْطَاهُ مَا ضَمِنَهُ، وَسَيَّرَ مَعَهُ مَنْ تَسَلَّمَ الْفَتْكِينُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَصَلَ الْفَتْكِينُ إِلَى الْعَزِيزِ لَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ لِوَقْتِهِ، فَرَأَى مِنْ إِكْرَامِ الْعَزِيزِ لَهُ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ مَا أَعْجَزَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِالْخِيَامِ فَنُصِبَتْ، وَأَعَادَ إِلَيْهِ جَمِيعَ (مَنْ كَانَ يَخْدِمُهُ) ، فَلَمْ يَفْقِدْ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا، وَحَمَلَ إِلَيْهِ مِنَ التُّحَفِ وَالْأَمْوَالِ مَا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ إِلَى مِصْرَ وَجَعَلَهُ مَنْ أَخَصِّ خَدَمِهِ وَحُجَّابِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute