للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ مَسِيرِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ إِلَى الْعِرَاقِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ تَجَهَّزَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ وَسَارَ يَطْلُبُ الْعِرَاقَ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُ عَنْ بَخْتِيَارَ وَابْنِ بَقِيَّةَ مِنِ اسْتِمَالَةِ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ كَحَسْنُوَيْهِ الْكُرْدِيِّ، وَفَخْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ رُكْنِ الدَّوْلَةِ، وَأَبِي تَغْلِبَ بْنِ حَمْدَانَ، وَعِمْرَانَ بْنِ شَاهِينَ، وَغَيْرِهِمْ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى مُعَادَاتِهِ، وَلِمَا كَانَا يَقُولَانِهِ مِنَ الشَّتْمِ الْقَبِيحِ لَهُ، وَلِمَا رَأَى مِنْ حُسْنِ الْعِرَاقِ وَعِظَمِ مَمْلَكَتِهِ غَيْرَ ذَلِكَ.

وَانْحَدَرَ بَخْتِيَارُ إِلَى وَاسِطَ عَلَى عَزْمِ مُحَارَبَةِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ حَسْنُوَيْهِ وَعَدَهُ أَنَّهُ يَحْضُرُ بِنَفْسِهِ لِنُصْرَتِهِ، وَكَذَلِكَ أَبُو تَغْلِبَ بْنُ حَمْدَانَ، فَلَمْ يَفِ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

ثُمَّ سَارَ بَخْتِيَارُ إِلَى الْأَهْوَازِ، أَشَارَ بِذَلِكَ ابْنُ بَقِيَّةَ، وَسَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ مِنْ فَارِسَ نَحْوَهُمْ، فَالْتَقَوْا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَاقْتَتَلُوا، فَخَامَرَ عَلَى بَخْتِيَارَ بَعْضُ عَسْكَرِهِ، وَانْتَقَلُوا إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَانْهَزَمَ بَخْتِيَارُ، وَأُخِذَ مَالُهُ وَمَالُ ابْنِ بَقِيَّةَ، وَنُهِبَتِ الْأَثْقَالُ وَغَيْرُهَا، وَلَمَّا وَصَلَ بَخْتِيَارُ إِلَى وَاسِطَ حَمَلَ إِلَيْهِ ابْنُ شَاهِينَ صَاحِبُ الْبَطِيحَةِ مَالًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْهَدَايَا النَّفِيسَةِ، وَدَخَلَ بَخْتِيَارُ إِلَيْهِ، فَأَكْرَمَهُ، وَحَمَلَ مَالًا جَلِيلًا، وَأَعْلَاقًا نَفِيسَةً، وَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ قَوْلِ عِمْرَانَ: إِنَّ بَخْتِيَارَ سَيَدْخُلُ مَنْزِلِي وَسَيَسْتَجِيرُ بِي، فَكَانَ كَمَا ذَكَرَ، ثُمَّ أَصْعَدَ بَخْتِيَارَ إِلَى وَاسِطَ.

وَأَمَّا عَضُدُ الدَّوْلَةِ فَإِنَّهُ سَيَّرَ إِلَى الْبَصْرَةِ جَيْشًا فَمَلَكُوهَا. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَهَا اخْتَلَفُوا، وَكَانَتْ مُضَرُ تَهْوَى عَضُدَ الدَّوْلَةِ، وَتَمِيلُ إِلَيْهِ لِأَسْبَابٍ قَرَّرَهَا مَعَهُمْ، وَخَالَفَتْهُمْ رَبِيعَةُ، وَمَالَتْ إِلَى بَخْتِيَارَ، فَلَمَّا انْهَزَمَ ضَعُفُوا، وَقَوِيَتْ مُضَرُ، وَكَاتَبُوا عَضُدَ الدَّوْلَةِ، وَطَلَبُوا مِنْهُ إِنْفَاذَ جَيْشٍ إِلَيْهِمْ، فَسَيَّرَ جَيْشًا تَسَلَّمَ الْبَلَدَ وَأَقَامَ عِنْدَهُمْ.

وَأَقَامَ بَخْتِيَارُ بِوَاسِطَ، وَأَحْضَرَ مَا كَانَ لَهُ بِبَغْدَاذَ وَالْبَصْرَةِ مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ فَفَرَّقَهُ (فِي أَصْحَابِهِ) ، ثُمَّ إِنَّهُ قَبَضَ عَلَى ابْنِ بَقِيَّةَ لِأَنَّهُ اطَّرَحَهُ وَاسْتَبَدَّ بِالْأُمُورِ دُونَهُ، وَجَبَى الْأَمْوَالَ إِلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يُوصِلْ إِلَى بَخْتِيَارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَرَادَ أَيْضًا التَّقَرُّبَ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يُفْسِدُ الْأَحْوَالَ بَيْنَهُمْ.

وَلَمَّا قَبَضَ عَلَيْهِ أَخَذَ أَمْوَالَهُ فَفَرَّقَهَا، وَرَاسَلَ عَضُدَ الدَّوْلَةِ فِي الصُّلْحِ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بِذَلِكَ، وَكَانَ أَصْحَابُ بَخْتِيَارَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ، فَبَعْضُهُمْ يُشِيرُ بِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَنْهَى عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَبَدْرٌ ابْنَا حَسْنُوَيْهِ فِي نَحْوِ أَلْفِ فَارِسٍ مَعُونَةً لَهُ، فَلَمَّا وَصَلَا إِلَيْهِ أَظْهَرَ الْمُقَامَ بِوَاسِطَ وَمُحَارَبَةَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ. فَاتَّصَلَ بِعَضُدِ الدَّوْلَةِ أَنَّهُ نَقَضَ الشَّرْطَ، ثُمَّ بَدَا لِبَخْتِيَارَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>