الْمَسِيرِ، فَسَارَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَعَادَ عَنْهُ ابْنَا حَسْنُوَيْهِ إِلَى أَبِيهِمَا، وَأَقَامَ بَخْتِيَارُ بِبَغْدَاذَ وَانْقَضَتِ السَّنَةُ وَهُوَ بِهَا، وَسَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ إِلَى وَاسِطَ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَأَصْلَحَ بَيْنَ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، وَكَانُوا فِي الْحُرُوبِ وَالِاخْتِلَافِ نَحْوَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
وَمِنْ عَجِيبِ مَا جَرَى لِبَخْتِيَارَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ غُلَامٌ تُرْكِيٌّ يَمِيلُ إِلَيْهِ، فَأُخِذَ فِي جُمْلَةِ الْأَسْرَى، وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ عَنْ بَخْتِيَارَ، فَحَزِنَ لِذَلِكَ، وَامْتَنَعَ مِنْ لَذَّاتِهِ وَالِاهْتِمَامِ بِمَا رُفِعَ إِلَيْهِ مِنْ زَوَالِ مُلْكِهِ وَذَهَابِ نَفْسِهِ، حَتَّى قَالَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ: إِنَّ فَجِيعَتِي بِهَذَا الْغُلَامِ أَعْظَمُ مِنْ فَجِيعَتِي بِذَهَابِ مُلْكِي، ثُمَّ سَمِعَ أَنَّهُ فِي جُمْلَةِ الْأَسْرَى، فَأَرْسَلَ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ يَبْذُلُ لَهُ مَا أَحَبَّ فِي رَدِّهِ إِلَيْهِ، فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ، وَسَارَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ عَنْهُ، فَازْدَادَ فَضِيحَةً وَهَوَانًا عِنْدَ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ.
ذِكْرُ وَفَاةِ مَنْصُورِ بْنِ نُوحٍ وَمُلْكِ ابْنِهِ نُوحٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ الْأَمِيرُ مَنْصُورُ بْنُ نُوحٍ صَاحِبُ خُرَاسَانَ، وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، مُنْتَصَفَ شَوَّالٍ، وَكَانَ مَوْتُهُ بِبُخَارَى، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَوَلِيَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو الْقَاسِمِ نُوحٌ، وَكَانَ عُمْرُهُ حِينَ وَلِيَ الْأَمْرَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلُقِّبَ بِالْمَنْصُورِ.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْقَاضِي مُنْذِرٌ الْبَلُّوطِيِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ، مَاتَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيُّ، أَبُو الْحَاكِمِ، قَاضِي قُضَاةِ الْأَنْدَلُسِ، وَكَانَ إِمَامًا فَقِيهًا، خَطِيبًا، شَاعِرًا، فَصِيحًا، ذَا دِينٍ مَتِينٍ، دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ، صَاحِبِ الْأَنْدَلُسِ، بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الزَّهْرَاءِ وَقُصُورِهَا، وَقَدْ قَعَدَ فِي قُبَّةٍ مُزَخْرَفَةٍ بِالذَّهَبِ، وَالْبِنَاءِ الْبَدِيعِ الَّذِي لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ النَّاصِرُ: هَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ أَحَدًا بَنَى مِثْلَ هَذَا الْبِنَاءِ؟ فَقَالَ لَهُ الْجَمَاعَةُ: لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute