للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَالَفَهُ وَأَقَامَ، وَأَعْجَبَهُ الْمُقَامُ بِبَغْدَاذَ، وَشَرِبَ مَعَ بَخْتِيَارَ، وَمَالَ فِي هَوَاهُ، وَاقْتَنَى بِبَغْدَاذَ أَمْلَاكًا وَدُورًا عَلَى عَزْمِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا إِذَا مَاتَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ، ثُمَّ صَارَ يُكَاتِبُ بَخْتِيَارَ بِأَشْيَاءَ يَكْرَهُهَا عَضُدُ الدَّوْلَةِ.

(وَكَانَ لَهُ نَائِبٌ يَعْرِضُهَا عَلَى بَخْتِيَارَ، فَكَانَ ذَلِكَ النَّائِبُ يُكَاتِبُ بِهَا عَضُدَ الدَّوْلَةِ) سَاعَةً فَسَاعَةً، (فَلَمَّا مَلَكَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ) بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ فَخْرِ الدَّوْلَةِ بِالرَّيِّ يَأْمُرُهُ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَانْقَلَعَ بَيْتُ الْعَمِيدِ عَلَى يَدِهِ كَمَا ظَنَّهُ أَبُوهُ الْفَضْلُ.

وَكَانَ أَبُو الْفَتْحِ لَيْلَةَ قُبِضَ قَدْ أَمْسَى مَسْرُورًا، فَأَحْضَرَ النُّدَمَاءَ وَالْمُغَنِّينَ، وَأَظْهَرَ مِنَ الْآلَاتِ الذَّهَبِيَّةِ، وَالزُّجَاجِ الْمَلِيحِ، وَأَنْوَاعِ الطِّيبِ مَا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِثْلُهُ، وَشَرِبُوا، وَعَمِلَ شِعْرًا وَغُنِّيَ لَهُ فِيهِ وَهُوَ:

دَعَوْتُ الْمُنَى وَدَعَوْتُ الْعُلَى ... فَلَمَّا أَجَابَا دَعَوْتُ الْقَدَحْ

وَقُلْتُ لِأَيَّامِ شَرْخِ الشَّبَابِ ... إِلَيَّ فَهَذَا أَوَانُ الْفَرَحْ

إِذَا بَلَغَ الْمَرْءُ آمَالَهُ ... فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهَا مُقْتَرَحْ

فَلَمَّا غُنِّيَ فِي الشِّعْرِ اسْتَطَابَهُ، وَشَرِبَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ سَكِرَ، وَقَامَ وَقَالَ لِغِلْمَانِهِ: اتْرُكُوا الْمَجْلِسَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لِنَصْطَبِحَ غَدًا، وَقَالَ لِنُدَمَائِهِ: بَكِّرُوا إِلَيَّ غَدًا لِنَصْطَبِحَ، وَلَا تَتَأَخَّرُوا. فَانْصَرَفَ النُّدَمَاءُ، وَدَخَلَ هُوَ إِلَى بَيْتِ مَنَامِهِ، فَلَمَّا كَانَ السَّحَرُ دَعَاهُ مُؤَيَّدُ الدَّوْلَةِ فَقَبَضَ عَلَيْهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى دَارِهِ فَأَخَذَ جَمِيعَ مَا فِيهَا وَمِنْ جُمْلَتِهِ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ بِمَا فِيهِ.

ذِكْرُ وَفَاةِ الْحَاكِمِ وَوِلَايَةِ ابْنِهِ هِشَامٍ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْحَاكِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ الْأُمَوِيُّ، صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ، وَعُمْرُهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ أَصْهَبَ أَعْيَنَ، أَقْنَى، عَظِيمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>