وَأَمَدَّتْهُ الْأُمَرَاءُ بِالْأَمْوَالِ، فَاسْتَمَالَ الْعَسَاكِرَ، وَجَرَتِ الْأُمُورُ عَلَى أَحْسَنِ نِظَامٍ.
وَكَانَتْ أُمُّهُ تَمِيمِيَّةً، وَأَبُوهُ مَعَافِرِيًّا، بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الْمُلَقَّبُ بِالْمُظَفَّرِ، فَسَارَ كَسَيْرَةِ أَبِيهِ، وَتُوَفِّيَ سُنَّةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ سَبْعَ سِنِينَ.
وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّ أَخَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ سَمَّهُ فِي تُفَّاحَةٍ قَطَعَهَا بِسِكِّينٍ كَانَ قَدْ سَمَّ أَحَدَ جَانِبَيْهَا، فَنَاوَلَ أَخَاهُ مَا يَلِي الْجَانِبَ الْمَسْمُومَ، وَأَخَذَ هُوَ مَا يَلِي الْجَانِبَ الصَّحِيحَ، فَأَكَلَهُ بِحَضْرَتِهِ، فَاطْمَأَنَّ الْمُظَفَّرُ، وَأَكَلَ مَا بِيَدِهِ مِنْهَا فَمَاتَ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَلِي بَعْدَهُ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُلَقَّبُ بِالنَّاصِرِ، فَسَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِ أَبِيهِ وَأَخِيهِ، وَأَخَذَ فِي الْمُجُونِ، وَشُرْبِ الْخُمُورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ دَسَّ إِلَى الْمُؤَيَّدِ مَنْ خَوَّفَهُ مِنْهُ إِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَحَقَدَ النَّاسُ وَبَنُو أُمَيَّةَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَبْغَضُوهُ، وَتَحَرَّكُوا فِي أَمْرِهِ إِلَى أَنْ قُتِلَ.
وَغَزَا شَاتِيَةً، وَأَوْغَلَ فِي بِلَادِ الْجَلَالِقَةِ، فَلَمْ يُقْدِمْ مَلِكُهَا عَلَى لِقَائِهِ، وَتَحَصَّنَ مِنْهُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى اتِّبَاعِهِ لِزِيَادَةِ الْأَنْهَارِ، وَكَثْرَةِ الثُّلُوجِ، فَأَثْخَنَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي وَطِئَهَا، وَخَرَجَ مَوْفُورًا، فَبَلَغَهُ فِي طَرِيقِهِ ظُهُورُ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ بِقُرْطُبَةَ، وَاسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهَا وَأَخْذُهُ الْمُؤَيَّدَ أَسِيرًا، فَتَفَرَّقَ عَنْهُ عَسْكَرُهُ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا خَاصَّتُهُ، فَسَارَ إِلَى قُرْطُبَةَ لِيَتَلَافَى ذَلِكَ الْخَطْبَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَسْكَرُ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ فَقَتَلُوهُ وَحَمَلُوا رَأْسَهُ إِلَى قُرْطُبَةَ فَطَافُوا بِهِ، وَكَانَ قَتْلُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثُمَّ صَلَبُوهُ.
ذِكْرُ ظُهُورِ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ بِقُرْطُبَةَ
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ ظَهَرَ بِقُرْطُبَةَ مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ الْأُمَوِيِّ، وَمَعَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَبَايَعَهُ النَّاسُ. وَكَانَ ظُهُورُهُ سَلْخَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَتَلَقَّبَ بِالْمَهْدِيِّ بِاللَّهِ، وَمَلَكَ قُرْطُبَةَ، وَأَخَذَ الْمُؤَيَّدَ فَحَبَسَهُ مَعَهُ فِي الْقَصْرِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَأَخْفَاهُ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ مَاتَ.
وَكَانَ قَدْ مَاتَ إِنْسَانٌ نَصْرَانِيٌّ يُشْبِهُ الْمُؤَيَّدَ، فَأَبْرَزَهُ لِلنَّاسِ فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهُ الْمُؤَيَّدُ، فَلَمْ يَشُكُّوا فِي مَوْتِهِ، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ، وَدَفَنُوهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute