إِنَّهُ أَظْهَرَهُ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَةِ الْمُؤَيَّدِ هَذِهِ إِلَى أَنْ حُبِسَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَنَقَمَ النَّاسُ عَلَى ابْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ النَّبِيذَ فِي قَصْرِهِ، فَسَمَّوْهُ نَبَّاذًا، وَمِنْهَا فِعْلُهُ بِالْمُؤَيَّدِ، وَأَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا، مُتَلَوِّنًا، مُبْغِضًا لِلْبَرْبَرِ، فَانْقَلَبَ النَّاسُ عَلَيْهِ.
ذِكْرُ خُرُوجِ هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ
لَمَّا اسْتَوْحَشَ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَأَبْغَضُوهُ، قَصَدُوا هِشَامَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ، فَأَخْرَجُوهُ مِنْ دَارِهِ، وَبَايَعُوهُ، فَتَلَقَّبَ بِالرَّشِيدِ، وَذَلِكَ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، وَاجْتَمَعُوا بِظَاهِرِ قُرْطُبَةَ، وَحَصَرُوا ابْنَ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمْ لِيَخْلَعَ ابْنَ عَبْدِ الْجَبَّارِ مِنَ الْمُلْكِ عَلَى أَنْ يُؤَمِّنَهُ وَأَهْلَهُ (وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ) .
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ، فَانْهَزَمَ هِشَامٌ وَأَصْحَابُهُ، وَأُخِذَ هِشَامٌ أَسِيرًا فَقَتَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَقَتَلَ مَعَهُ عِدَّةً مِنْ قُوَّادِهِ، اسْتَقَرَّ أَمْرُ ابْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَكَانَ عَمَّ هِشَامٍ.
ذِكْرُ خُرُوجِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا
وَلَمَّا قَتَلَ ابْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ هِشَامَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ نَاصِرٍ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، انْهَزَمَ مَعَهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَاكِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ نَاصِرٍ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي هِشَامٍ الْمَقْتُولِ، فَبَايَعَهُ أَصْحَابُ عَمِّهِ، وَأَكْثَرُهُمُ الْبَرْبَرُ، بَعْدَ الْوَقْعَةِ بِيَوْمَيْنِ، وَلَقَّبُوهُ الْمُسْتَعِينَ بِاللَّهِ، ثُمَّ لُقِّبَ بِالظَّاهِرِ بِاللَّهِ، وَسَارُوا إِلَى النَّصَارَى فَصَالَحُوهُمْ وَاسْتَنْجَدُوهُمْ وَأَنْجَدُوهُمْ، وَسَارُوا مَعَهُمْ إِلَى قُرْطُبَةَ، فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَابْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بِقَنْتِيجَ، وَهِيَ الْوَقْعَةُ الْمَشْهُورَةُ غَزَوْا فِيهَا وَقُتِلَ مَا لَا يُحْصَى، فَانْهَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَتَحَصَّنَ بِقَصْرِ قُرْطُبَةَ، وَدَخَلَ سُلَيْمَانُ الْبَلَدَ، وَحَصَرَهُ فِي الْقَصْرِ.
فَلَمَّا رَأَى ابْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ مَا نَزَلَ بِهِ أَظْهَرَ الْمُؤَيَّدَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ (يُخْلَعُ هُوَ وَسُلَيْمَانُ وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إِلَى الْمُؤَيَّدِ، فَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ) الْمُؤَيِّدَ قَدْ مَاتَ. فَلَمَّا أَعْيَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute