الْأَمْرُ احْتَالَ فِي الْهَرَبِ، فَهَرَبَ سِرًّا وَاخْتَفَى، وَدَخَلَ سُلَيْمَانُ الْقَصْرَ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ بِالْخِلَافَةِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَبَقِيَ بِقُرْطُبَةَ أَيَّامًا، وَكَانَ عِدَّةُ الْقَتْلَى بِقَنْتِيجَ نَحْوَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَأَغَارَ الْبَرْبَرُ وَالرُّومُ عَلَى قُرْطُبَةَ فَنَهَبُوا وَسَبَوْا وَأَسَرُوا عَدَدًا عَظِيمًا.
ذِكْرُ عَوْدِ ابْنِ الْجَبَّارِ وَقَتْلِهِ وَعَوْدِ الْمُؤَيَّدِ
لَمَّا اخْتَفَى ابْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ سَارَ سِرًّا إِلَى طُلَيْطِلَةَ، وَأَتَاهُ وَاضِحٌ الْفَتَى الْعَامِرِيُّ فِي أَصْحَابِهِ، وَجَمَعَ لَهُ النَّصَارَى وَسَارَ بِهِمْ إِلَى قُرْطُبَةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ سُلَيْمَانُ فَالْتَقَوْا بِقُرْبِ عَقَبَةِ الْبَقَرِ، وَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، فَانْهَزَمَ سُلَيْمَانُ وَمَنْ مَعَهُ مُنْتَصَفَ شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَمَضَى سُلَيْمَانُ إِلَى شَاطِبَةَ، وَدَخَلَ ابْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قُرْطُبَةَ وَجَدَّدَ الْبَيْعَةَ لِنَفَسِهِ، وَجَعَلَ الْحِجَابَةَ لِوَاضِحٍ وَتَصَرَّفَ بِالِاخْتِيَارِ.
ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْفِتْيَانِ الْعَامِرِيِّينَ، مِنْهُمْ عَنْبَرٌ، وَخَيْرُونُ، وَغَيْرُهُمَا، كَانُوا مَعَ سُلَيْمَانَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ يَطْلُبُونَ قَبُولَ طَاعَتِهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلَهُمْ فِي جُمْلَةِ رِجَالِهِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ مَكِيدَةً بِهِ لِيَقْتُلُوهُ، فَلَمَّا دَخَلُوا قُرْطُبَةَ اسْتَمَالُوا وَاضِحًا فَأَجَابَهُمْ إِلَى قَتْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ اجْتَمَعُوا فِي الْقَصْرِ فَمَلَكُوهُ، وَأَخَذُوا ابْنَ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَسِيرًا، وَأَخْرَجُوا الْمُؤَيَّدَ بِاللَّهِ فَأَجْلَسُوهُ مَجْلِسَ الْخِلَافَةِ وَبَايَعُوهُ، وَأَحْضَرُوا ابْنَ عَبْدِ الْجَبَّارِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَدَّدَ ذُنُوبَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُتِلَ، وَطِيفَ بِرَأْسِهِ فِي قُرْطُبَةَ، وَكَانَ عُمْرُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَذْكُرَ هَذِهِ الْحَوَادِثَ مُتَأَخِّرَةً، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَاهَا لِتَعَلُّقِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، (وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَيْسَ لَهُ مِنْ طُولِ الْمُدَّةِ مَا تُؤَخَّرُ أَخْبَارُهُ وَتُفَرَّقُ) .
ذِكْرُ عَوْدِ أَبِي الْمَعَالِي بْنِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ إِلَى مُلْكِ حَلَبَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَادَ أَبُو الْمَعَالِي شَرِيفُ بْنُ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ مُلْكَ حَلَبَ وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ قَرْغَوَيْهِ لَمَّا تَغَلَّبَ عَلَيْهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَوْلَاهُ أَبَا الْمَعَالِي، (كَمَا ذَكَرْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute