سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَسَارَ أَبُو الْمَعَالِي إِلَى وَالِدَتِهِ بِمَيَّافَارِقِينَ) ، ثُمَّ أَتَى حَمَاةَ، وَهِيَ لَهُ، فَنَزَلَ بِهَا، وَكَانَتِ الرُّومُ قَدْ خَرَّبَتْ حِمْصَ وَأَعْمَالَهَا، وَقَدْ ذُكِرَ أَيْضًا، فَنَزَلَ إِلَيْهِ يَارْقَتَاشُ مَوْلَى أَبِيهِ، وَهُوَ بِحِصْنِ بَرْزُويَهْ، وَخَدَمَهُ، وَعَمَّرَ لَهُ مَدِينَةَ حِمْصَ، فَكَثُرَ أَهْلُهَا.
وَكَانَ قَرْغَوَيْهِ قَدِ اسْتَنَابَ بِحَلَبَ مَوْلًى لَهُ اسْمُهُ بَكْجُورُ، فَقَوِيَ بَكْجُورُ وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، وَقَبَضَ عَلَى مَوْلَاهُ قَرْغَوَيْهِ، وَحَبَسَهُ فِي قَلْعَةِ حَلَبَ، وَأَقَامَ بِهَا نَحْوَ سِتِّ سِنِينَ، فَكَتَبَ مَنْ بِحَلَبَ مِنْ أَصْحَابِ قَرْغَوَيْهِ إِلَى أَبِي الْمَعَالِي بْنِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ لِيَقْصِدَ حَلَبَ وَيَمْلِكَهَا، فَسَارَ إِلَيْهَا، وَحَصَرَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَمَلَكَهَا.
وَبَقِيَتِ الْقَلْعَةُ بِيَدِ بَكْجُورَ، فَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا، فَأَجَابَ إِلَى التَّسْلِيمِ عَلَى أَنَّ يُؤَمِّنَهُ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَيُوَلِّيَهُ حِمْصَ، وَطَلَبَ بَكْجُورُ أَنْ يَحْضُرَ هَذَا الْأَمَانَ وَالْعَهْدَ وُجُوهُ بَنِي كِلَابٍ، فَفَعَلَ أَبُو الْمَعَالِي ذَلِكَ، وَأَحْضَرَهُمُ الْأَمَانَ وَالْعَهْدَ، وَسَلَّمَ قَلْعَةَ حَلَبَ إِلَى أَبِي الْمَعَالِي، وَسَارَ بَكْجُورُ إِلَى حِمْصَ فَوَلِيَهَا لِأَبِي الْمَعَالِي، وَصَرَفَ هِمَّتَهُ إِلَى عِمَارَتِهَا، وَحِفْظِ الطُّرُقِ، فَازْدَادَتْ عِمَارَتُهَا، وَكَثُرَ الْخَيْرُ بِهَا، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهَا إِلَى وِلَايَةِ دِمَشْقَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
ذِكْرُ ابْتِدَاءِ دَوْلَةِ آلِ سُبُكْتِكِينَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ سُبُكْتِكِينُ مَدِينَةَ غَزْنَةَ وَأَعْمَالَهَا، وَكَانَ ابْتِدَاءُ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ غِلْمَانِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ الْبَتْكِينِ، صَاحِبِ جَيْشِ غَزْنَةَ لِلسَّامَانِيَّةِ، وَكَانَ مُقَدَّمًا عِنْدَهُ، وَعَلَيْهِ مَدَارُ أَمْرِهِ، وَقَدِمَ إِلَى بُخَارَى، أَيَّامَ الْأَمِيرِ مَنْصُورِ بْنِ نُوحٍ، مَعَ أَبِي إِسْحَاقَ، فَعَرَفَهُ أَرْبَابُ تِلْكَ الدَّوْلَةِ بِالْعَقْلِ، وَالْعِفَّةِ، وَجَوْدَةِ الرَّأْيِ وَالصَّرَامَةِ، وَعَادَ مَعَهُ إِلَى غَزْنَةَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَبُو إِسْحَاقَ أَنْ تُوُفِّيَ، وَلَمْ يُخَلِّفْ مِنْ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ مَنْ يَصْلُحُ لِلتَّقَدُّمِ، فَاجْتَمَعَ عَسْكَرُهُ وَنَظَرُوا فِيمَنْ يَلِي أَمْرَهُمْ، وَيَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ، فَاخْتَلَفُوا ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى سُبُكْتِكِينَ، لِمَا عَرَفُوهُ مِنْ عَقْلِهِ، وَدِينِهِ، وَمُرُوءَتِهِ، وَكَمَالِ خِلَالِ الْخَيْرِ فِيهِ، فَقَدَّمُوهُ عَلَيْهِمْ، وَوَلَّوْهُ أَمْرَهُمْ، وَحَلَفُوا لَهُ وَأَطَاعُوهُ فَوَلِيَهُمْ وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ فِيهِمْ، وَسَاسَ أُمُورَهُمْ سِيَاسَةً حَسَنَةً، وَجَعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute