نَفْسَهُ كَأَحَدِهِمْ فِي الْحَالِ وَالْمَالِ، وَكَانَ يَذَّخِرُ مِنْ أَقَطَاعِهِ مَا يَعْمَلُ مِنْهُ طَعَامًا لَهُمْ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّتَيْنِ.
ثُمَّ إِنَّهُ جَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَسَارَ نَحْوَ الْهِنْدِ مُجَاهِدًا، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهُنُودِ حُرُوبٌ يَشِيبُ لَهَا الْوَلِيدُ، وَكَشَفَ بِلَادَهُمْ، وَشَنَّ الْغَارَاتِ عَلَيْهَا، وَطَمِعَ فِيهَا، وَخَافَهُ الْهُنُودُ، فَفَتَحَ مِنْ بِلَادِهِمْ حُصُونًا وَمَعَاقِلَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِحْصَاءِ.
وَاتُّفِقَ لَهُ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ أَنَّ الْهُنُودَ اجْتَمَعُوا فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَطَاوَلُوهُ الْأَيَّامَ، وَمَاطَلُوهُ الْقِتَالَ، فَعَدِمَ الزَّادُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَجَزُوا عَنِ الِامْتِيَارِ، فَشَكَوْا إِلَيْهِ مَا هُمْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي اسْتَصْحَبْتُ لِنَفْسِي شَيْئًا مِنَ السَّوِيقِ اسْتِظْهَارًا، وَأَنَا أَقْسِمُهُ بَيْنَكُمْ قِسْمَةً عَادِلَةً عَلَى السَّوَاءِ إِلَى أَنْ يَمُنَّ اللَّهُ بِالْفَرَجِ، فَكَانَ يُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِلْءَ قَدَحٍ مَعَهُ، وَيَأْخُذُ لِنَفْسِهِ مِثْلَ أَحَدِهِمْ، فَيَجْتَزِئُ بِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُقَاتِلُونَ الْكُفَّارَ، فَرَزَقَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّصْرَ عَلَيْهِمْ وَالظَّفَرَ بِهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ وَأَسَرُوا خَلْقًا كَثِيرًا.
ذِكْرُ وِلَايَةِ سُبُكْتِكِينَ عَلَى قُصْدَارَ وَبُسْتَ
ثُمَّ إِنَّ سُبُكْتِكِينَ عَظُمَ شَأْنُهُ، وَارْتَفَعَ قَدْرُهُ، وَحَسُنَ بَيْنَ النَّاسِ ذِكْرُهُ، وَتَعَلَّقَتِ الْأَطْمَاعُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، فَأَتَاهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ، وَهُوَ صَاحِبُ بُسْتَ وَاسْمُهُ طَغَانُ، مُسْتَعِينًا بِهِ مُسْتَنْصِرًا.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِ أَمِيرٌ يُعْرَفُ بِبَابِي تُورَ، فَمَلَكَ مَدِينَةَ بُسْتَ عَلَيْهِ، وَأَجْلَاهُ عَنْهَا بَعْدَ حَرْبٍ شَدِيدَةٍ، فَقَصَدَ سُبُكْتِكِينَ مُسْتَنْصِرًا بِهِ، وَضَمِنَ لَهُ مَالًا مُقَرَّرًا، وَطَاعَةً يَبْذُلُهَا لَهُ، فَتَجَهَّزَ وَسَارَ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَى بُسْتَ وَخَرَجَ إِلَيْهِ بَابِي تُورُ فَقَاتَلَهُ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْهَزَمَ بَابِي تُورُ وَتَفَرَّقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَتَسَلَّمَ طَغَانُ الْبَلَدَ.
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِيهِ طَالَبَهُ سُبُكْتِكِينَ بِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ، فَأَخَذَ فِي الْمَطْلِ، فَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ لِكَثْرَةِ مَطْلِهِ، فَحَمَلَ طَغَانُ جَهْلَهُ عَلَى أَنْ سَلَّ السَّيْفَ فَضَرَبَ يَدَ سُبُكْتِكِينَ فَجَرَحَهَا، فَأَخَذَ سُبُكْتِكِينُ السَّيْفَ وَضَرَبَهُ أَيْضًا فَجَرَحَهُ، وَحَجَزَ الْعَسْكَرُ بَيْنَهُمَا، وَقَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ، فَانْهَزَمَ طَغَانُ وَاسْتَوْلَى سُبُكْتِكِينُ عَلَى بُسْتَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute