ثُمَّ إِنَّهُ سَارَ إِلَى قُصْدَارَ، وَكَانَ مُتَوَلِّيهَا قَدْ عَصَى عَلَيْهِ لِصُعُوبَةِ مَسَالِكِهَا، وَحَصَانَتِهَا، وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ، فَسَارَ إِلَيْهِ جَرِيدَةً مُجِدًّا، فَلَمْ يَشْعُرْ إِلَّا وَالْخَيْلُ مَعَهُ، فَأُخِذَ مِنْ دَارِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِ وَرَدَّهُ إِلَى وِلَايَتِهِ، وَقَرَّرَ عَلَيْهِ مَالًا يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ.
ذِكْرُ مَسِيرِ الْهِنْدِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ مَعَ سُبُكْتِكِينَ
لَمَّا فَرَغَ سُبُكْتِكِينُ مَنْ بُسْتَ وَقُصْدَارَ غَزَا الْهِنْدَ، فَافْتَتَحَ قِلَاعًا حَصِينَةً عَلَى شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، وَعَادَ سَالِمًا ظَافِرًا.
وَلَمَّا رَأَى جِيبَالُ مَلِكُ الْهِنْدِ مَا دَهَاهُ، وَأَنَّ بِلَادَهُ تُمْلَكُ مِنْ أَطْرَافِهَا، أَخَذَهُ مَا قَدُمَ وَحَدُثَ، فَحَشَدَ وَجَمَعَ وَاسْتَكْثَرَ مِنَ الْفُيُولِ، وَسَارَ حَتَّى اتَّصَلَ بِوِلَايَةِ سُبُكْتِكِينَ، وَقَدْ بَاضَ الشَّيْطَانُ فِي رَأْسِهِ وَفَرَّخَ، فَسَارَ سُبُكْتِكِينُ عَنْ غَزْنَةَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ عَسَاكِرُهُ (وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ) .
(وَكَانَ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ) عَقَبَةُ غُورَكَ، وَفِيهَا عَيْنُ مَاءٍ لَا تَقْبَلُ نَجَسًا وَلَا قَذَرًا، وَإِذَا أُلْقِيَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اكْفَهَرَّتِ السَّمَاءُ وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَكَثُرَ الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ وَالْأَمْطَارُ وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ تَطْهُرَ مِنَ الَّذِي أُلْقِيَ فِيهَا فَأَمَرَ سُبُكْتِكِينُ بِإِلْقَاءِ نَجَاسَةٍ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ، فَجَاءَ الْغَيْمُ وَالرَّعْدُ وَالْبَرْقُ، وَقَامَتِ الْقِيَامَةُ عَلَى الْهُنُودِ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا مَا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَتَوَالَتْ عَلَيْهِمُ الصَّوَاعِقُ وَالْأَمْطَارُ، وَاشْتَدَّ الْبَرْدُ، حَتَّى هَلَكُوا، وَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْمَذَاهِبُ، وَاسْتَسْلَمُوا لِشِدَّةِ مَا عَايَنُوهُ.
وَأَرْسَلَ مَلِكُ الْهِنْدِ إِلَى سُبُكْتِكِينَ يَطْلُبُ الصُّلْحَ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ بَعْدَ امْتِنَاعٍ مِنْ وَلَدِهِ مَحْمُودٍ، عَلَى مَالٍ يُؤَدِّيهِ، وَبِلَادٍ يُسَلِّمُهَا، وَخَمْسِينَ فِيلًا يَحْمِلُهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ، وَرَهَنَ عِنْدَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِهِ (عَلَى تَسْلِيمِ الْبِلَادِ) ، وَسَيَّرَ مَعَهُ سُبُكْتِكِينُ مَنْ يَتَسَلَّمُهَا، فَإِنَّ الْمَالَ وَالْفِيَلَةَ كَانَتْ مُعَجَّلَةً، فَلَمَّا أَبْعَدَ جِيبَالُ مَلِكُ الْهِنْدِ قَبَضَ عَلَى مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَهُمْ عِنْدَهُ عِوَضًا عَنْ رَهَائِنِهِ.
فَلَمَّا سَمِعَ سُبُكْتِكِينُ بِذَلِكَ جَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَسَارَ نَحْوَ الْهِنْدِ، فَأَخْرَبَ كُلَّ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَقَصَدَ لَمْغَانَ، وَهِيَ مِنْ أَحْصَنِ قِلَاعِهِمْ، فَافْتَتَحَهَا عَنْوَةً وَهَدَمَ بُيُوتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute