ذِكْرُ مُلْكِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ قَلْعَةَ سَنْدَهْ وَغَيْرَهَا
وَفِيهَا اسْتَوْلَى عَضُدُ الدَّوْلَةِ عَلَى قِلَاعِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُرِّيِّ بِنَوَاحِي الْجَبَلِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِسَنْدَهْ، وَلَهُ فِيهَا مَسَاكِنُ نَفِيسَةٌ، وَكَانَ قَدِيمَ الْبَيْتِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ وَاعْتَقَلَهُمْ، فَبَقَوْا كَذَلِكَ إِلَى أَنْ أَطْلَقَهُمُ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ فِيمَا بَعْدُ، وَاسْتَخْدَمَ ابْنَهُ أَبَا طَاهِرٍ، وَاسْتَكْتَبَهُ، وَكَانَ حَسَنَ الْخَطِّ وَاللَّفْظِ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ عَسْكَرِ الْعَزِيزِ وَابْنِ جَرَّاحٍ وَعَزْلِ قَسَّامٍ عَنْ دِمَشْقَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سُيِّرَتِ الْعَسَاكِرُ مِنْ مِصْرَ لِقِتَالِ الْمُفَرِّجِ بْنِ جَرَّاحٍ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ جَرَّاحٍ عَظُمَ شَأْنُهُ بِأَرْضِ فِلَسْطِينَ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُ، وَبَالَغَ هُوَ فِي الْعَيْثِ وَالْفَسَادِ، وَتَخْرِيبِ الْبِلَادِ، فَجَهَّزَ الْعَزِيزُ بِاللَّهِ الْعَسَاكِرَ وَسَيَّرَهَا، وَجَعَلَ عَلَيْهَا الْقَائِدَ يَلْتَكِينَ التُّرْكِيَّ، فَسَارَ إِلَى الرَّمْلَةِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَرَبِ، مِنْ قَيْسٍ وَغَيْرِهَا، جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ مَعَ ابْنِ جَرَّاحٍ جَمْعٌ يَرْمُونَ بِالنُّشَّابِ، وَيُقَاتِلُونَ قِتَالَ التُّرْكِ، فَالْتَقَوْا وَنَشِبَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَ يَلْتَكِينُ كَمِينًا، فَخَرَجَ عَلَى عَسْكَرِ ابْنِ جَرَّاحٍ، مِنْ وَرَاءِ ظُهُورِهِمْ، عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرْبِ، فَانْهَزَمُوا وَأَخَذَتْهُمْ سُيُوفُ الْمِصْرِيِّينَ، وَمَضَى ابْنُ جَرَّاحٍ مُنْهَزِمًا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، فَاسْتَجَارَ بِصَاحِبِهَا فَأَجَارَهُ، وَصَادَفَ خُرُوجَ مَلِكِ الرُّومِ مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فِي عَسَاكِرَ عَظِيمَةٍ يُرِيدُ بِلَادَ الْإِسْلَامِ، فَخَافَ ابْنُ جَرَّاحٍ، وَكَاتَبَ بَكْجُورَ بِحِمْصَ وَالْتَجَأَ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا عَسْكَرُ مِصْرَ فَإِنَّهُمْ نَازَلُوا دِمَشْقَ، مُخَادِعِينَ لِقَسَّامٍ، لَمْ يُظْهِرُوا لَهُ إِلَّا أَنَّهُمْ جَاءُوا لِإِصْلَاحِ الْبَلَدِ، وَكَفِّ الْأَيْدِي الْمُتَطَرِّقَةِ (إِلَى الْأَذَى) وَكَانَ الْقَائِدُ أَبُو مَحْمُودٍ قَدْ مَاتَ سَنَةَ سَبْعِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] وَهُوَ وَالِي الْبَلَدِ، وَلَا حُكْمَ لَهُ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِقَسَّامٍ، فَلَمَّا مَاتَ قَامَ بَعْدَهُ فِي الْوِلَايَةِ جَيْشُ بْنُ الصَّمْصَامَةِ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ أَبِي مَحْمُودٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute