وَكَانَتْ وِلَايَةُ أَبِي الْقَاسِمِ عَلَى صِقِلِّيَّةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ عَادِلًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، كَثِيرَ الشَّفَقَةِ عَلَى رَعِيَّتِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، عَظِيمَ الصَّدَقَةِ، لَمْ يُخَلِّفْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَقَارًا، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ وَقَفَ جَمِيعَ أَمْلَاكِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَأَبْوَابِ الْبِرِّ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَ حَرِيقٌ بِالْكَرْخِ بِبَغْدَاذَ فَاحْتَرَقَ [فِيهَا] مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ هَلَكَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَبَقِيَ الْحَرِيقُ أُسْبُوعًا.
وَفِيهَا قَبَضَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ عَلَى الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الْمُحْسِنِ بْنِ عَلِيٍّ التَّنُوخِيِّ، وَأَلْزَمَهُ مَنْزِلَهُ، وَعَزَلَهُ عَنْ أَعْمَالِهِ الَّتِي كَانَ يَتَوَلَّاهَا، وَكَانَ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ شَدِيدَ التَّعَصُّبِ عَلَى الشَّافِعِيِّ يُطْلِقُ لِسَانَهُ فِيهِ، قَاتَلَهُ اللَّهُ! .
وَفِيهَا أَفْرَجَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هِلَالٍ الصَّابِيِّ الْكَاتِبِ. وَكَانَ الْقَبْضُ عَلَيْهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] .
وَكَانَ سَبَبُ قَبْضِهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ عَنْ بَخْتِيَارَ كُتُبًا فِي مَعْنَى الْخُلْفِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَكَانَ يَنْصَحُ صَاحِبَهُ، فَمِمَّا كَتَبَهُ عَنِ الْخَلِيفَةِ الطَّائِعِ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ لُقِّبَ عِزُّ الدَّوْلَةِ بِشَاهِنْشَاهْ، فَتَزَحْزَحَ لَهُ عَنْ سُنَنِ الْمُسَاوَاةِ، فَنَقَمَ عَلَيْهِ عَضُدُ الدَّوْلَةِ ذَلِكَ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْظُمَ فِي عَيْنِهِ لِنُصْحِهِ لِصَاحِبِهِ، فَلَمَّا أَطْلَقَهُ أَمْرَهُ بِعَمَلِ كِتَابٍ يَتَضَمَّنُ أَخْبَارَهُمْ وَمَحَاسِنَهَا، فَعَمِلَ التَّاجِيُّ فِي دَوْلَةِ الدَّيْلَمِ.
وَفِيهَا أَرْسَلَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الطَّيِّبِ الْأَشْعَرِيَّ الْمَعْرُوفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute