الْمَدِينَةِ، وَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ بِهِ وَقَطَعُوا أَشْجَارَهُ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْبَلَدِ فَضَرَبُوا عَلَيْهِمْ وَأَخَذُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ جَمِيعَهُمْ وَرَجَعُوا.
وَتَسَامَعَ الْعَدُوُّ، فَرَكِبُوا فِي أَثَرِهِمْ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِذَلِكَ كَمَنُوا وَرَاءَ رَبْوَةٍ، فَلَمَّا جَاوَزَهُمُ الْعَدُوُّ خَرَجُوا عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَضَرَبُوا فِي سَاقَتِهِمْ وَكَبَّرُوا، فَلَمَّا سَمِعَ الْعَدُوُّ تَكْبِيرَهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْعَدَدَ كَثِيرٌ، فَانْهَزَمُوا، وَتَبِعَهُمْ صِنْهَاجَةُ، فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا، وَغَنِمُوا دَوَابَّهُمْ وَسِلَاحَهُمْ وَعَادُوا إِلَى قُرْطُبَةَ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي عَامِرٍ، وَرَأَى مِنْ شَجَاعَتِهِمْ مَا لَمْ يَرَهُ مِنْ جُنْدِ الْأَنْدَلُسِ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَجَعَلَهُمْ بِطَانَتَهُ.
ذِكْرُ غَزْوِ ابْنِ أَبِي عَامِرٍ إِلَى الْفِرِنْجِ بِالْأَنْدَلُسِ
لَمَّا رَأَى أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ فِعْلَ صِنْهَاجَةَ حَسَدُوهُمْ، وَرَغِبُوا فِي الْجِهَادِ، وَقَالُوا لِلْمَنْصُورِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ: لَقَدْ نَشَّطْنَا هَؤُلَاءِ لِلْغَزْوِ. فَجَمَعَ الْجُيُوشَ الْكَثِيرَةَ مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ، وَخَرَجَ إِلَى الْجِهَادِ، وَكَانَ رَأَى فِي مَنَامِهِ، تِلْكَ اللَّيَالِيَ، كَأَنَّ رَجُلًا أَعْطَاهُ الْأَسْبَرَاجَ، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ وَأَكَلَ مِنْهُ، فَعَبَرَهُ عَلَى ابْنِ أَبِي جُمْعَةَ، فَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ إِلَى بَلَدِ إَلْيُونَ فَإِنَّكَ سَتَفْتَحُهَا فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَخَذْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الْأَسْبَرَاجَ يُقَالُ لَهُ فِي الْمَشْرِقِ الْهِلْيَوْنُ، فَمَلَكُ الرُّؤْيَا قَالَ لَكَ: هَا لِيُونُ.
فَخَرَجَ إِلَيْهَا وَنَازَلَهَا، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ مَدَائِنِهِمْ، وَاسْتَمَدَّ أَهْلُهَا الْفِرِنْجَ، فَأَمَدُّوهُمْ بِجُيُوشٍ كَثِيرَةٍ، وَاقْتَتَلُوا لَيْلًا وَنَهَارًا، فَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ، وَصَبَرَتْ صِنْهَاجَةُ صَبْرًا عَظِيمًا، ثُمَّ خَرَجَ قُومَصٌ كَبِيرٌ مِنَ الْفِرِنْجِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِثْلُهُ، فَجَالَ بَيْنَ الصُّفُوفِ وَطَلَبَ الْبَرَازَ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ جَلَالَةُ بْنُ زِيرِي الصِّنْهَاجِيُّ فَحَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَطَعَنَهُ الْفِرِنْجِيُّ فَمَالَ عَنِ الطَّعْنَةِ وَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى عَاتِقِهِ فَأَبَانَ عَاتِقَهُ، فَسَقَطَ الْفِرِنْجِيُّ إِلَى الْأَرْضِ، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى النَّصَارَى، فَانْهَزَمُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ مَا لَا يُحْصَى (وَمَلَكَ الْمَدِينَةَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute