بِالشَّغَبِ، وَالتَّوَثُّبِ عَلَى الْوَزِيرِ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ صَالِحَانَ، فَلَقُوهُ بِمَا يَكْرَهُ، فَلَاطَفَهُمْ وَدَفَعَهُمْ، وَأَصْلَحَ لِشَرَفِ الدَّوْلَةِ بَيْنَ الْوَزِيرِ وَبَيْنَ قُرَاتِكِينَ، (وَشَرَعَ فِي إِعْمَالِ الْحِيلَةِ عَلَى قُرَاتِكِينَ) ، فَلَمْ تَمْضِ غَيْرُ أَيَّامٍ حَتَّى قَبَضَ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكُتَّابِهِ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، وَشَغَبَ الْجُنْدُ لِأَجْلِهِ، فَقَتَلَهُ شَرَفُ الدَّوْلَةِ، فَسَكَنُوا، وَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ طُغَانَ الْحَاجِبَ، فَصَلُحَتْ طَاعَتُهُ.
ذِكْرُ مَسِيرِ الْمَنْصُورِ بْنِ يُوسُفَ لِحَرْبِ كُتَامَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ جَمَعَ الْمَنْصُورُ، صَاحِبُ إِفْرِيقِيَّةَ، عَسَاكِرَهُ وَسَارَ إِلَى كُتَامَةَ قَاصِدًا حَرْبَهَا.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَزِيزَ بِاللَّهِ الْعَلَوِيَّ بِمِصْرَ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ دَاعِيًا لَهُ إِلَى كُتَامَةَ، يُقَالُ لَهُ أَبُو الْفَهْمِ، وَاسْمُهُ حَسَنُ بْنُ نَصْرٍ، يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ، وَغَرَضُهُ أَنْ تَمِيلَ كُتَامَةُ إِلَيْهِ وَتُرْسِلَ إِلَيْهِ جُنْدًا يُقَاتِلُونَ الْمَنْصُورَ، وَيَأْخُذُونَ إِفْرِيقِيَّةَ مِنْهُ، لِمَا رَأَى مِنْ قُوَّتِهِ. فَدَعَاهُمْ أَبُو الْفَهْمِ، فَكَثُرَ تَبَعُهُ، وَقَادَ الْجُيُوشَ، وَعَظُمَ شَأْنُهُ، وَعَزَمَ الْمَنْصُورُ عَلَى قَصْدِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْعَزِيزِ بِمِصْرَ يُعَرِّفُهُ الْحَالَ، فَأَرْسَلَ الْعَزِيزُ رَسُولَيْنِ إِلَى الْمَنْصُورِ يَنْهَاهُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِأَبِي الْفَهْمِ وَكُتَامَةَ، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَسِيرَا إِلَى كُتَامَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ رِسَالَةِ الْمَنْصُورِ.
فَلَمَّا وَصَلَا إِلَى الْمَنْصُورِ وَأَبْلَغَاهُ رِسَالَةَ الْعَزِيزِ أَغْلَظَ الْقَوْلَ لَهُمَا وَلِلْعَزِيزِ أَيْضًا، وَأَغْلَظَا لَهُ، فَأَمَرَهُمَا بِالْمُقَامِ عِنْدَهُ بَقِيَّةَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، وَلَمْ يَتْرُكْهُمَا يَمْضِيَانِ إِلَى كُتَامَةَ، وَتَجَهَّزَ لِحَرْبِ كُتَامَةَ وَأَبِي الْفَهْمِ، وَسَارَ بَعْدَ عِيدِ الْأَضْحَى، فَقَصَدَ مَدِينَةَ مِيلَةَ، وَأَرَادَ قَتْلَ أَهْلِهَا وَسَبْيَ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ يَتَضَرَّعُونَ وَيَبْكُونَ فَعَفَا عَنْهُمْ، (وَخَرَّبَ سُورَهَا، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى كُتَامَةَ وَالرَّسُولَانِ مَعَهُ) .
فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِقَصْرٍ وَلَا مَنْزِلٍ إِلَّا هَدَمَهُ، حَتَّى بَلَغَ مَدِينَةَ سَطِيفَ، وَهِيَ كُرْسِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute