عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ فِي قَوْلٍ.
وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، وَهُوَ مَلِكُ قَوْمِهِ وَسَيِّدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ، مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا فَمَثُلَ قَائِمًا وَقَالَ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَكَ بِمَا أَرْسَلَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، أَلَا وَإِنَّكَ فُهْتَ بِعَظِيمٍ، أَلَا وَقَدْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْتَ مِمَّنْ يَعْبُدُ هَذِهِ الْحِجَارَةَ وَالْأَوْثَانَ وَمَا لَكَ وَلِلنُّبُوَّةِ، وَإِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ قَوْلِكَ وَبَدْءُ شَأْنِكَ؟
فَأُعْجِبَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمُسَاءَلَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ اجْلِسْ. فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِي وَبَدْءَ شَأْنِي أَنِّي دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيسَى، وَكُنْتُ بِكْرَ أُمِّي، وَحَمَلَتْنِي كَأَثْقَلِ مَا تَحْمِلُ النِّسَاءُ، ثُمَّ رَأَتْ فِي مَنَامِهَا أَنَّ الَّذِي فِي بَطْنِهَا نُورٌ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أُتْبِعُ بَصَرِي النُّورَ وَهُوَ يَسْبِقُ بَصَرِي حَتَّى أَضَاءَتْ لِي مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا، ثُمَّ إِنَّهَا وَلَدَتْنِي فَنَشَأْتُ، فَلَمَّا نَشَأْتُ بُغِّضَتْ إِلَيَّ الْأَوْثَانُ وَالشِّعْرُ، فَكُنْتُ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ مُنْتَبِذًا مِنْ أَهْلِي مَعَ أَتْرَابٍ مِنَ الصِّبْيَانِ إِذْ أَتَانَا ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مَعَهُمْ طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٌ ثَلْجًا فَأَخَذُونِي مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي، فَخَرَجَ أَصْحَابِي هُرَّابًا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى شَفِيرِ الْوَادِي ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى الرَّهْطِ فَقَالُوا: مَا أَرَبُكُمْ إِلَى هَذَا الْغُلَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ وَمَا يَرُدُّ عَلَيْكُمْ قَتْلُهُ؟ فَلَمَّا رَأَى الصِّبْيَانُ الرَّهْطَ لَا يَرُدُّونَ جَوَابًا انْطَلَقُوا مُسْرِعِينَ إِلَى الْحَيِّ يُؤْذِنُونَهُمْ بِي وَيَسْتَصْرِخُونَهُمْ عَلَى الْقَوْمِ، فَعَمَدَ أَحَدُهُمْ فَأَضْجَعَنِي عَلَى الْأَرْضِ إِضْجَاعًا لَطِيفًا، ثُمَّ شَقَّ مَا بَيْنَ مَفْرِقِ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي، فَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ مَسًّا، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحْشَاءَ بَطْنِي فَغَسَلَهَا بِالثَّلْجِ فَأَنْعَمَ غَسْلَهَا، ثُمَّ أَخْرَجَ قَلْبِي فَصَدَعَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهُ مُضْغَةً سَوْدَاءَ فَرَمَى بِهَا، قَالَ بِيَدِهِ يُمْنَةً مِنْهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي يَدِهِ مِنْ نُورٍ يَحَارُ النَّاظِرُونَ دُونَهُ، فَخَتَمَ بِهِ قَلْبِي، فَامْتَلَأَ نُورًا، وَذَلِكَ نُورُ النُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ، ثُمَّ أَعَادَهُ مَكَانَهُ، فَوَجَدْتُ بَرْدَ ذَلِكَ الْخَاتَمِ فِي قَلْبِي دَهْرًا، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثُ لِصَاحِبِهِ: تَنَحَّ، فَتَنَحَّى عَنِّي، فَأَمَرَّ يَدَهُ مَا بَيْنَ مَفْرِقِ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي فَالْتَأَمَ ذَلِكَ الشَّقُّ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَنْهَضَنِي إِنْهَاضًا لَطِيفًا ثُمَّ قَالَ لِلْأَوَّلِ الَّذِي شَقَّ بَطْنِي: زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ. فَوَزَنُونِي بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ. فَوَزَنُونِي بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ. ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute