أُمَّتِهِ. فَوَزَنُونِي بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ. فَقَالَ: دَعُوهُ فَلَوْ وَزَنْتُهُ بِأُمَّتِهِ كُلِّهِمْ لَرَجَحَ بِهِمْ. ثُمَّ ضَمُّونِي إِلَى صُدُورِهِمْ وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ ثُمَّ قَالُوا: يَا حَبِيبُ، لَمْ تُرَعْ، إِنَّكَ لَوْ تَدْرِي مَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ لَقَرَّتْ عَيْنُكَ.
قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَنَا بِالْحَيِّ قَدْ جَاءُوا بِحَذَافِيرِهِمْ، وَإِذَا ظِئْرِي أَمَامَ الْحَيِّ تَهْتِفُ بِأَعْلَى صَوْتِهَا وَهِيَ تَقُولُ: يَا ضَعِيفَاهُ! قَالَ: فَانْكَبُّوا عَلَيَّ وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ وَقَالُوا: حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ ضَعِيفٍ! ثُمَّ قَالَتْ ظِئْرِي: يَا وَحِيدَاهُ! فَانْكَبُّوا عَلَيَّ فَضَمُّونِي إِلَى صُدُورِهِمْ وَقَبَّلُوا مَا بَيْنَ عَيْنَيَّ وَقَالُوا حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ وَحِيدٍ، وَمَا أَنْتَ بِوَحِيدٍ! إِنَّ اللَّهَ مَعَكَ! ثُمَّ قَالَتْ ظِئْرِي: يَا يَتِيمَاهُ اسْتُضْعِفْتَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِكَ فَقُتِلْتَ لِضَعْفِكَ! فَانْكَبُّوا عَلَيَّ وَضَمُّونِي إِلَى صُدُورِهِمْ وَقَبَّلُوا مَا بَيْنَ عَيْنَيَّ وَقَالُوا: حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ يَتِيمٍ! مَا أَكْرَمَكَ عَلَى اللَّهِ! لَوْ تَعْلَمُ مَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ! قَالَ: فَوَصَلُوا بِي إِلَى شَفِيرِ الْوَادِي. فَلَمَّا بَصُرَتْ بِي ظِئْرِي قَالَتْ: يَا بُنَيَّ أَلَا أَرَاكَ حَيًّا بَعْدُ! فَجَاءَتْ حَتَّى انْكَبَّتْ عَلَيَّ وَضَمَّتْنِي إِلَى صَدْرِهَا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَفِي حِجْرِهَا وَقَدْ ضَمَّتْنِي إِلَيْهَا، وَإِنَّ يَدِي فِي يَدِ بَعْضِهِمْ، فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ يُبْصِرُونَهُمْ، يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِنَّ هَذَا الْغُلَامَ أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ، انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى كَاهِنِنَا حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَيُدَاوِيَهُ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا! لَيْسَ بِي شَيْءٌ مِمَّا يُذْكَرُ، إِنَّ إِرَادَتِي سَلِيمَةٌ، وَفُؤَادِي صَحِيحٌ لَيْسَ فِيَّ قَلَبَةٌ. فَقَالَ أَبِي مِنَ الرَّضَاعِ: أَلَا تَرَوْنَ كَلَامَهُ صَحِيحًا؟ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِابْنِي بَأْسٌ. فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَذْهَبُوا بِي إِلَى الْكَاهِنِ، فَذَهَبُوا بِي إِلَيْهِ. فَلَمَّا قَصُّوا عَلَيْهِ قِصَّتِي قَالَ: اسْكُتُوا حَتَّى أَسْمَعَ مِنَ الْغُلَامِ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِأَمْرِهِ مِنْكُمْ. فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ أَمْرِي مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلِي وَثَبَ إِلَيَّ وَضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا لِلْعَرَبِ اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ وَاقْتُلُونِي مَعَهُ! فَوَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ تَرَكْتُمُوهُ فَأَدْرَكَ لَيُبَدِّلَنَّ دِينَكُمْ وَلَيُخَالِفَنَّ أَمْرَكُمْ وَلِيَأْتِينَّكُمْ بِدِينٍ لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطُّ.
فَانْتَزَعَتْنِي ظِئْرِي وَقَالَتْ: لَأَنْتَ أَجَنُّ وَأَعْتَهُ مِنِ ابْنِي هَذَا فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ مَنْ يَقْتُلُكَ، فَإِنَّا غَيْرُ قَاتِلِيهِ!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute