للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِعُبُورِهِمَا وَقَدْ قَارَبَاهُ، فَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلَّا يَأْتِيَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ خَلْفِهِ وَأَبُو طَاهِرٍ مِنْ أَمَامِهِ، فَاخْتَلَطَ أَصْحَابُهُ، وَأَدْرَكَهُ الْحَمْدَانِيَّةُ، فَنَاوَشُوهُمُ الْقِتَالَ، وَأَرَادَ بَاذٌ الِانْتِقَالَ مِنْ فَرَسٍ إِلَى آخَرَ، فَسَقَطَ وَانْدَقَّتْ تَرْقُوَتُهُ، فَأَتَاهُ ابْنُ أُخْتِهِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مَرْوَانَ، وَأَرَادَهُ عَلَى الرُّكُوبِ فَلَمْ يَقْدِرْ، فَتَرَكُوهُ وَانْصَرَفُوا وَاحْتَمَوْا بِالْجَبَلِ.

وَوَقَعَ بَاذٌ بَيْنَ الْقَتْلَى فَعَرَفَهُ بَعْضُ الْعَرَبِ فَقَتَلَهُ وَحَمَلَ رَأَسَهُ إِلَى بَنِي حَمْدَانَ وَأَخَذَ جَائِزَةً سَنِيَّةً، وَصُلِبَتْ جُثَّتُهُ عَلَى دَارِ الْإِمَارَةِ، فَثَارَ الْعَامَّةُ وَقَالُوا: رَجُلٌ غَازٍ، وَلَا يَحِلُّ فِعْلُ هَذَا بِهِ. وَظَهَرَ مِنْهُمْ مَحَبَّةٌ كَثِيرَةٌ لَهُ، وَأَنْزَلُوهُ وَكَفَّنُوهُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ وَدَفَنُوهُ.

ذِكْرُ ابْتِدَاءِ دَوْلَةِ بَنِي مَرْوَانَ

لَمَّا قُتِلَ بَاذٌ سَارَ ابْنُ أُخْتِهِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مَرْوَانَ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ إِلَى حِصْنِ كِيفَا، وَهُوَ عَلَى دِجْلَةَ، وَهُوَ مِنْ أَحْصَنِ الْمَعَاقِلِ، وَكَانَ بِهِ امْرَأَةُ بَاذٍ وَأَهْلُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْحِصْنَ قَالَ لِزَوْجَةِ خَالِهِ: قَدْ أَنْفَذَنِي خَالِي إِلَيْكِ فِي مُهِمٍّ فَظَنَّتْهُ حَقًّا، فَلَمَّا صَعِدَ إِلَيْهَا أَعْلَمَهَا بِهَلَاكِهِ، وَأَطْمَعَهَا فِي التَّزَوُّجِ بِهَا، فَوَافَقَتْهُ عَلَى مُلْكِ الْحِصْنِ وَغَيْرِهِ، وَنَزَلَ وَقَصَدَ حِصْنًا حِصْنًا، حَتَّى مَلَكَ مَا كَانَ لِخَالِهِ، وَسَارَ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ وَسَارَ إِلَيْهِ أَبُو طَاهِرٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنَا حَمْدَانَ وَطَمِعَا فِيهِ، وَمَعَهُمَا رَأْسُ بَاذٍ، فَوَجَدَا أَبَا عَلِيٍّ قَدْ أَحْكَمَ أَمْرَهُ، فَتَصَافُّوا وَاقْتَتَلُوا، وَظَفِرَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَسَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ حَمْدَانَ، فَأَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ فَسَارَ إِلَى أَخِيهِ أَبِي طَاهِرٍ، وَهُوَ بِآمِدَ يَحْصُرُهَا، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمُصَالَحَةِ ابْنِ مَرْوَانَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَاضْطَرَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مُوَافَقَتِهِ، وَسَارَا إِلَى ابْنِ مَرْوَانَ فَوَاقَعَاهُ، فَهَزَمَهُمَا، وَأَسَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا فَأَسَاءَ إِلَيْهِ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، إِلَى أَنْ كَاتَبَهُ صَاحِبُ مِصْرَ وَشَفَعَ فِيهِ فَأَطْلَقَهُ، وَمَضَى إِلَى مِصْرَ وَتَقَلَّدَ مِنْهَا وِلَايَةَ حَلَبَ، وَأَقَامَ بِتِلْكَ الدِّيَارِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ.

وَأَمَّا أَبُو طَاهِرٍ فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَى نَصِيبِينَ قَصَدَهُ أَبُو الذَّوَّادِ فَأَسَرَهُ وَعَلِيًّا ابْنَهُ، وَالْمُزَعْفَرَ أَمِيرَ بَنِي نُمَيْرٍ، وَقَتَلَهُمْ صَبْرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>