للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَقَامَ ابْنُ مَرْوَانَ بِدِيَارِ بَكْرٍ وَضَبَطَهَا، وَأَحْسَنَ إِلَى أَهْلِهَا، وَأَلَانَ جَانِبَهُ لَهُمْ، فَطَمِعَ فِيهِ أَهْلُ مَيَّافَارِقِينَ، فَاسْتَطَالُوا عَلَى أَصْحَابِهِ، فَأَمْسَكَ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْعِيدِ، وَقَدْ خَرَجُوا إِلَى الْمُصَلَّى، فَلَمَّا تَكَامَلُوا فِي الصَّحْرَاءِ وَافَى إِلَى الْبَلَدِ، وَأَخَذَ أَبَا الصَّقْرِ شَيْخَ الْبَلَدِ فَأَلْقَاهُ مِنْ عَلَى السُّورِ، وَقَبَضَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَأَخَذَ الْأَكْرَادُ ثِيَابَ النَّاسِ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ الْبَلَدِ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يَنْصَرِفُوا حَيْثُ شَاءُوا، وَلَمْ يُمَكِّنْهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فَذَهَبُوا كُلَّ مَذْهَبٍ.

وَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَ سِتَّ النَّاسِ بِنْتَ سَعْدِ الدَّوْلَةِ بْنِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ، فَأَتَتْهُ مِنْ حَلَبَ، فَعَزَمَ عَلَى زِفَافِهَا بِآمِدَ، فَخَافَ شَيْخُ الْبَلَدِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الْبَرِّ، أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ فِعْلِهِ بِأَهْلِ مَيَّافَارِقِينَ، فَأَحْضَرَ ثِقَاتَهُ وَحَلَّفَهُمْ عَلَى كِتْمَانِ سِرِّهِ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ صَحَّ عَزْمُ الْأَمِيرِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ بِكُمْ مِثْلَ فِعْلِهِ بِأَهْلِ مَيَّافَارِقِينَ، وَهُوَ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْمَاءِ وَيَخْرُجُ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، فَقِفُوا لَهُ فِي الدَّرَكَاهِ، وَانْثُرُوا عَلَيْهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ اعْتَمِدُوا بِهَا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ سَيُغَطِّيهِ بِكُمِّهِ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّكَاكِينِ فِي مَقْتَلِهِ فَفَعَلُوا.

وَجَرَتِ الْحَالُ كَمَا وَصَفَ، وَتَوَلَّى قَتْلَهُ إِنْسَانٌ يُقَالُ [لَهُ] ابْنُ دِمْنَةَ كَانَ فِيهِ إِقْدَامٌ وَجُرْأَةٌ، فَاخْتَبَطَ النَّاسُ وَمَاجُوا، فَرَمَى بِرَأْسِهِ إِلَيْهِمْ، فَأَسْرَعُوا السَّيْرَ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ.

وَحَدَّثَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَكْرَادِ نُفُوسَهُمْ بِمُلْكِ الْبَلَدِ، فَاسْتَرَابَ بِهِمْ مُسْتَحْفِظُ مَيَّافَارِقِينَ لِإِسْرَاعِهِمْ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ الْأَمِيرُ حَيًّا فَادْخُلُوا مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ قُتِلَ فَأَخُوهُ مُسْتَحِقٌّ لِمَوْضِعِهِ. فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ وَصَلَ مُمَهِّدُ الدَّوْلَةِ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ مَرْوَانَ أَخُو أَبِي عَلِيٍّ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ، فَفُتِحَ لَهُ بَابُ الْبَلَدِ فَدَخَلَهُ وَمَلَكَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ إِلَّا السِّكَّةُ وَالْخُطْبَةُ لِمَا نَذْكُرُهُ.

وَأَمَّا عَبْدُ الْبَرِّ فَاسْتَوْلَى عَلَى آمِدَ، وَزَوَّجَ ابْنَ دِمْنَةَ، الَّذِي قَتَلَ أَبَا عَلِيٍّ، ابْنَتَهُ فَعَمِلَ لَهُ ابْنُ دِمْنَةَ دَعْوَةً وَقَتَلَهُ، وَمَلَكَ آمِدَ، وَعَمَّرَ الْبَلَدَ وَبَنَى لِنَفْسِهِ قَصْرًا عِنْدَ السُّورِ، وَأَصْلَحَ أَمْرَهُ مَعَ مُمَهِّدِ الدَّوْلَةِ، وَهَادَى مَلِكَ الرُّومِ، وَصَاحِبَ مِصْرَ، وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْمُلُوكِ وَانْتَشَرَ ذِكْرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>