للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَا مُمَهِّدُ الدَّوْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَهُ إِنْسَانٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُسَمَّى شَرْوَةَ، حَاكِمًا فِي مَمْلَكَتِهِ، وَكَانَ لِشَرْوَةَ غُلَامٌ قَدْ وَلَّاهُ الشُّرْطَةَ، وَكَانَ مُمَهِّدُ الدَّوْلَةِ يُبْغِضُهُ، وَيُرِيدُ قَتْلَهُ، وَيَتْرُكُهُ احْتِرَامًا لِصَاحِبِهِ، فَفَطِنَ الْغُلَامُ لِذَلِكَ، فَأَفْسَدَ مَا بَيْنَهُمَا، فَعَمِلَ شَرْوَةُ طَعَامًا بِقَلْعَةِ الْهَتَّاخِ، وَهِيَ إِقْطَاعُهُ، وَدَعَا إِلَيْهَا مُمَهِّدَ الدَّوْلَةِ، فَلَمَّا حَضَرَ عِنْدَهُ قَتَلَهُ، وَذَلِكَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَخَرَجَ مِنَ الدَّارِ إِلَى بَنِي عَمِّ مُمَهِّدِ الدَّوْلَةِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِمْ وَقَيَّدَهُمْ، وَأَظْهَرَ أَنَّ مُمَهِّدَ الدَّوْلَةِ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَمَضَى إِلَى مَيَّافَارِقِينَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْمَشَاعِلُ، فَفَتَحُوا لَهُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ مُمَهِّدُ الدَّوْلَةِ، فَمَلَكَهَا، وَكَتَبَ إِلَى أَصْحَابِ الْقِلَاعِ يَسْتَدْعِيهِمْ، وَأَنْفَذَ إِنْسَانًا إِلَى أَرْزَنَ لِيُحْضِرَ مُتَوَلِّيَهَا، وَيُعْرَفُ بِخَوَاجَهْ أَبِي الْقَاسِمِ، فَسَارَ خَوَاجَهْ نَحْوَ مَيَّافَارِقِينَ، وَلَمْ يُسَلِّمِ الْقَلْعَةَ إِلَى الْقَاصِدِ إِلَيْهِ.

فَلَمَّا تَوَسَّطَ الطَّرِيقَ سَمِعَ بِقَتْلِ مُمَهِّدِ الدَّوْلَةِ فَعَادَ إِلَى أَرْزَنَ، وَأَرْسَلَ إِلَى أَسْعَرْدَ، فَأَحْضَرَ أَبَا نَصْرِ بْنَ مَرْوَانَ أَخَا مُمَهِّدِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ أَخُوهُ قَدْ (أَبْعَدَهُ عَنْهُ، وَكَانَ يُبْغِضُهُ لِمَنَامٍ رَآهُ، وَهُوَ أَنَّهُ رَأَى) كَأَنَّ الشَّمْسَ سَقَطَتْ فِي حِجْرِهِ، فَنَازَعَهُ أَبُو نَصْرٍ عَلَيْهَا وَأَخَذَهَا، فَأَبْعَدَهُ لِهَذَا، وَتَرَكَهُ بِأَسْعَرْدَ مُضَيَّقًا عَلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَدْعَاهُ خَوَاجَهْ قَالَ لَهُ دُبَيْرٌ: تَفْلَحُ؟ قَالَ: نَعَمْ.

وَكَانَ شَرْوَةُ قَدْ أَنْفَذَ إِلَى أَبِي نَصْرٍ، فَوَجَدُوهُ قَدْ سَارَ إِلَى أَرْزَنَ، فَعَلِمَ حِينَئِذٍ انْتِقَاضَ أَمْرِهِ. وَكَانَ مَرْوَانُ وَالِدُ مُمَهِّدِ الدَّوْلَةِ قَدْ أَضَرَّ، وَهُوَ بِأَرْزَنَ، عِنْدَ قَبْرِ ابْنِهِ أَبِي عَلِيٍّ، وَهُوَ وَزَوْجَتُهُ، فَأَحْضَرَ خَوَاجَهْ أَبَا نَصْرٍ عِنْدَهُمَا، وَحَلَّفَهُ عَلَى الْقَبُولِ مِنْهُ، وَالْعَدْلِ، وَأَحْضَرَ الْقَاضِي وَالشُّهُودَ عَلَى الْيَمِينِ وَمَلَّكَهُ أَرْزَنَ، ثُمَّ مَلَكَ سَائِرَ بِلَادِ دِيَارِ بَكْرٍ، فَدَامَتْ أَيَّامُهُ، وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ، وَكَانَ مَقْصِدًا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ سَائِرِ الْآفَاقِ، وَكَثُرُوا بِبِلَادِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>