للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَمَّا قَوِيَ أَمْرُهُ، وَجَمَعَ الْأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ، حَدَّثَ نَفْسَهُ بِمُلْكِ كَرْمَانَ، وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ لِهُدْنَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ. فَلَمَّا مَاتَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ، وَمَلَكَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ وَانْتَظَمَ، وَأَمَّنَ مُلْكَهُ، وَلَمْ يَتَحَرَّكْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ، وَاضْطَرَبَ مُلُوكُ بَنِي بُوَيْهٍ، وَوَقَعَ الْخُلْفُ بَيْنَ صَمْصَامِ الدَّوْلَةِ وَبَهَاءِ الدَّوْلَةِ، قَوِيَ طَمَعُهُ، وَانْتَهَزَ الْفُرْصَةَ، وَجَهَّزَ وَلَدَهُ عَمْرًا، وَسَيَّرَهُ فِي عَسْكَرٍ كَثِيرٍ إِلَى كَرْمَانَ، وَبِهَا قَائِدٌ يُقَالُ لَهُ تَمَرْتَاشُ كَانَ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ شَرَفُ الدَّوْلَةِ، فَلَمْ يَشْعُرْ تَمَرْتَاشُ إِلَّا وَعَمْرٌو قَدْ قَارَبَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ حِيلَةٌ إِلَّا الدُّخُولُ إِلَى بَرْدَسِيرَ، وَحَمَلُوا مَا أَمْكَنَهُمْ حَمْلُهُ، وَغَنِمَ عَمْرٌو الْبَاقِيَ، وَمَلَكَ كَرْمَانَ مَا عَدَا بَرْدَسِيرَ، وَصَادَرَ النَّاسَ وَجَبَى الْأَمْوَالَ.

فَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى صَمْصَامِ الدَّوْلَةِ، وَهُوَ صَاحِبُ فَارِسَ، جَهَّزَ الْعَسَاكِرَ وَسَيَّرَهَا إِلَى تَمَرْتَاشَ، وَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ قَائِدًا يُقَالُ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَمَرَهُ بِالْقَبْضِ عَلَى تَمَرْتَاشَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِهِ، لِأَنَّهُ اتَّهَمَهُ بِالْمَيْلِ إِلَى أَخِيهِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ. فَسَارَ أَبُو جَعْفَرٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ بِتَمَرْتَاشَ أَنْزَلَهُ عِنْدَهُ بِعِلَّةِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى مَا يَفْعَلَانِهِ، وَقَبَضَ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ إِلَى شِيرَازَ، فَسَارَ أَبُو جَعْفَرٍ بِالْعَسْكَرِ جَمِيعِهِ يَقْصِدُ عَمْرَو بْنَ خَلَفٍ لِيُحَارِبَهُ، فَالْتَقَوْا بِدَارَزِينَ وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالدَّيْلَمُ، وَعَادُوا عَلَى طَرِيقِ جِيرُفْتَ.

وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى صَمْصَامِ الدَّوْلَةِ وَأَصْحَابِهِ، فَانْزَعَجُوا لِذَلِكَ، ثُمَّ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى إِنْفَاذِ الْعَبَّاسِ بْنِ أَحْمَدَ فِي عَسْكَرٍ أَكْثَرَ مِنَ الْأَوَّلِ، فَسَيَّرُوهُ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ وَعُدَّةٍ ظَاهِرَةٍ، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ عَمْرًا، فَالْتَقَوْا بِقُرْبِ السِّيرَجَانِ، وَاقْتَتَلُوا فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى عَمْرِو بْنِ خَلَفٍ وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَكَانَ هَذَا فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، وَعَادَ عَمْرٌو إِلَى أَبِيهِ بِسِجِسْتَانَ مَهْزُومًا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ لَامَهُ وَوَبَّخَهُ، ثُمَّ حَبَسَهُ أَيَّامًا، ثُمَّ قَتَلَهُ [بَيْنَ يَدَيْهِ] وَتَوَلَّى غَسْلَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَدَفَنَهُ فِي الْقَلْعَةِ. فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا كَانَ أَقْسَى قَلْبَ هَذَا الرَّجُلِ مَعَ عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ! .

<<  <  ج: ص:  >  >>