ثُمَّ إِنَّ صَمْصَامَ الدَّوْلَةِ عَزَلَ الْعَبَّاسَ عَنْ كَرْمَانَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا أُسْتَاذَ هُرْمُزَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى كَرْمَانَ خَافَهُ خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ، فَكَاتَبَهُ فِي تَجْدِيدِ الصُّلْحِ، وَاعْتَذَرَ عَنْ فِعْلِهِ، فَاسْتَقَرَّ الصُّلْحُ، وَأَنْفَذَ خَلَفٌ قَاضِيًا كَانَ بِسِجِسْتَانَ يُعْرَفُ بِأَبِي يُوسُفَ وَكَانَ لَهُ قَبُولٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَوَضَعَ عَلَيْهِ إِنْسَانًا يَكُونُ مَعَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ سُمًّا إِذَا صَارَ عِنْدَ أُسْتَاذِ هُرْمُزَ وَيَعُودَ مُسْرِعًا وَيُشِيعَ بِأَنَّ أُسْتَاذَ هُرْمُزَ قَتَلَهُ.
فَسَارَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى كَرْمَانَ، فَصَنَعَ لَهُ أُسْتَاذُ هُرْمُزَ طَعَامًا، فَحَضَرَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى مَنْزِلِهِ سَقَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ سُمًّا فَمَاتَ مِنْهُ، وَرَكِبَ جَمَّازَةً وَسَارَ مُجِدًّا إِلَى خَلَفٍ، فَجَمَعَ لَهُ خَلَفٌ وُجُوهَ النَّاسِ لِيَسْمَعُوا لَهُ، فَذَكَرَ أَنَّ أُسْتَاذَ هُرْمُزَ قَتَلَ الْقَاضِيَ أَبَا يُوسُفَ، وَبَكَى خَلَفٌ وَأَظْهَرَ الْجَزَعَ عَلَيْهِ، وَنَادَى فِي النَّاسِ بِغَزْوِ كَرْمَانَ وَالْأَخْذِ بِثَأْرِ أَبِي يُوسُفَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَاحْتَشَدُوا، فَسَيَّرَهُمْ مَعَ وَلَدِهِ طَاهِرٍ، فَوَصَلُوا إِلَى نَرْمَاسِيرَ، وَبِهَا عَسْكَرُ الدَّيْلَمِ، فَهَزَمُوهُمْ وَأَخَذُوا الْبَلَدَ مِنْهُمْ.
وَلَحِقَ الدَّيْلَمُ بِجِيرُفْتَ، فَاجْتَمَعُوا بِهَا، وَجَعَلُوا بِبَرْدَسِيرَ مَنْ يَحْمِيهَا، وَهِيَ أَصْلُ بِلَادِ كَرْمَانَ وَمَصْرُهَا، فَقَصَدَهَا طَاهِرٌ وَحَصَرَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَضَاقَ بِأَهْلِهَا، وَكَتَبُوا إِلَى أُسْتَاذِ هُرْمُزَ يُعْلِمُونَهُ حَالَهُمْ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُدْرِكْهُمْ سَلَّمُوا الْبَلَدَ. فَرَكِبَ الْخَطَرَ وَسَارَ مُجِدًّا فِي مَضَايِقِ جِبَالٍ وَعْرَةٍ، حَتَّى أَتَى بَرْدَسِيرَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا رَحَلَ طَاهِرٌ وَمَنْ مَعَهُ عَنْهَا، وَعَادُوا إِلَى سِجِسْتَانَ، وَاسْتَقَرَّتْ كَرْمَانُ لِلدَّيْلَمِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
ذِكْرُ عِصْيَانِ بَكْجُورَ عَلَى سَعْدِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ وَقَتْلِهِ
لَمَّا وَصَلَ بَكْجُورُ إِلَى الرَّقَّةِ مُنْهَزِمًا مِنْ عَسَاكِرِ مِصْرَ بِدِمَشْقَ وَأَقَامَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الرُّحْبَةِ وَمَا يُجَاوِرُ الرَّقَّةَ، وَرَاسَلَ الْمَلِكَ بَهَاءَ الدَّوْلَةِ بْنَ بُوَيْهٍ بِالِانْضِمَامِ إِلَيْهِ، وَكَاتَبَ أَيْضًا بَاذًا الْكُرْدِيَّ الْمُتَغَلِّبَ عَلَى دِيَارِ بَكْرٍ وَالْمَوْصِلِ بِالْمَسِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute