إِلَيْهِ، وَرَاسَلَ سَعْدَ الدَّوْلَةِ بْنَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ، صَاحِبَ حَلَبَ، بِأَنْ يَعُودَ إِلَى طَاعَتِهِ عَلَى قَاعِدَتِهِ الْأُولَى، (وَيُقْطِعَهُ مِنْهُ) مَدِينَةَ حِمْصَ كَمَا كَانَتْ لَهُ، فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ أَجَابَهُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا طَلَبَ، فَبَقِيَ فِي الرَّقَّةِ يُرَاسِلُ جَمَاعَةً رُفَقَاءَ مِنْ مَمَالِيكِ سَعْدِ الدَّوْلَةِ، وَيَسْتَمِيلُهُمْ، فَأَجَابُوهُ إِلَى الْمُوَافَقَةِ عَلَى قَصْدِ بَلَدِ سَعْدِ الدَّوْلَةِ، وَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ مَشْغُولٌ بِلَذَّاتِهِ وَشَهَوَاتِهِ عَنْ تَدْبِيرِ الْمُلْكِ فَأَرْسَلَ حِينَئِذٍ بَكْجُورُ إِلَى الْعَزِيزِ بِاللَّهِ، صَاحِبِ مِصْرَ، يُطْمِعُهُ فِي حَلَبَ، وَيَقُولُ لَهُ إِنَّهَا دِهْلِيزُ الْعِرَاقِ، وَمَتَى أُخِذَتْ كَانَ مَا بَعْدَهَا أَسْهَلَ مِنْهَا، وَيَطْلُبُ الْإِنْجَادَ بِالْعَسَاكِرِ. فَأَجَابَهُ الْعَزِيزُ إِلَى ذَلِكَ وَأَرْسَلَ إِلَى نَزَّالٍ، وَالِي طَرَابُلُسَ، وَإِلَى وُلَاةِ غَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ يَأْمُرُهُمْ بِتَجْهِيزِ الْعَسَاكِرِ مَعَ نَزَّالٍ إِلَى بَكْجُورَ، وَالتَّصَرُّفِ عَلَى مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ قِتَالِ سَعْدِ الدَّوْلَةِ وَقَصْدِ بِلَادِهِ.
وَكَتَبَ عِيسَى بْنُ نَسْطُورَسَ النَّصْرَانِيُّ، وَزِيرُ الْعَزِيزِ، إِلَى نَزَّالٍ يَأْمُرُهُ بِمُدَافَعَةِ بَكْجُورَ، وَإِطْمَاعِهِ فِي الْمَسِيرِ إِلَيْهِ، فَإِذَا تَوَرَّطَ فِي قَصْدِ سَعْدِ الدَّوْلَةِ تَخَلَّى عَنْهُ.
وَكَانَ السَّبَبُ فِي فِعْلِ عِيسَى هَذَا بِبَكْجُورَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَكْجُورَ عَدَاوَةٌ مُسْتَحْكَمَةٌ، وَوَلِيَ الْوِزَارَةَ بَعْدَ وَفَاةِ ابْنِ كِلِّسٍ، فَكَتَبَ إِلَى نَزَّالٍ مَا ذَكَرْنَاهُ.
فَلَمَّا وَصَلَ أَمْرُ الْعَزِيزِ إِلَى نَزَّالٍ بِإِنْجَادِ بَكْجُورَ كَتَبَ إِلَيْهِ يُعَرِّفُهُ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ نَجْدَتِهِ بِنَفْسِهِ وَبِالْعَسَاكِرِ مَعَهُ، وَقَالَ لَهُ بَكْجُورُ: مَسِيرُكَ عَنِ الرَّقَّةِ يَوْمَ كَذَا، وَمَسِيرِي أَنَا عَنْ طَرَابُلُسَ يَوْمَ كَذَا، وَيَكُونُ اجْتِمَاعُنَا عَلَى حَلَبَ يَوْمَ كَذَا وَتَابَعَ رُسُلَهُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَسَارَ مُغْتَرًّا بِقَوْلِهِ إِلَى بَالِسَ، فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ، فَحَصَرَهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يَظْفَرْ بِهَا فَسَارَ عَنْهَا.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ بِمَسِيرِ بَكْجُورَ إِلَى سَعْدِ الدَّوْلَةِ، فَسَارَ عَنْ حَلَبَ وَمَعَهُ لُؤْلُؤٌ الْكَبِيرُ، مَوْلَى أَبِيهِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ، وَكَتَبَ إِلَى بَكْجُورَ يَسْتَمِيلُهُ وَيَدْعُوهُ إِلَى الْمُوَادَعَةِ، وَرِعَايَةِ حَقِّ الرِّقِّ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَيَبْذُلُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ مِنَ الرَّقَّةِ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute