للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ سَعْدُ الدَّوْلَةِ قَدْ كَاتَبَ الْوَالِيَ بِأَنْطَاكِيَةَ لِمَلِكِ الرُّومِ يَسْتَنْجِدُهُ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَيْشًا كَثِيرًا مِنَ الرُّومِ، وَكَاتَبَ أَيْضًا مَنْ مَعَ بَكْجُورَ مِنَ الْعَرَبِ يُرَغِّبُهُمْ فِي الْإِقْطَاعِ، وَالْعَطَاءِ الْكَثِيرِ، وَالْعَفْوِ عَنْ مُسَاعَدَتِهِمْ بَكْجُورَ، فَمَالُوا إِلَيْهِ، وَوَعَدُوهُ الْهَزِيمَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا الْتَقَى الْعَسْكَرَانِ اقْتَتَلُوا، (وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ) ، فَلَمَّا اخْتَلَطَ النَّاسُ فِي الْحَرْبِ وَشُغِلَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ عَطَفَ الْعَرَبُ عَلَى سَوَادِ بَكْجُورَ فَنَهَبُوهُ، وَاسْتَأْمَنُوا إِلَى سَعْدِ الدَّوْلَةِ، فَلَمَّا رَأَى بَكْجُورُ ذَلِكَ اخْتَارَ مِنْ شُجْعَانِ أَصْحَابِهِ أَرْبَعَمِائَةِ رَجُلٍ، وَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَقْصِدَ مَوْقِفَ سَعْدِ الدَّوْلَةِ وَيُلْقِيَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ، فَإِمَّا لَهُ وَإِمَّا عَلَيْهِ، فَهَرَبَ وَاحِدٌ مِمَّنْ حَضَرَ الْحَالَ إِلَى لُؤْلُؤٍ الْكَبِيرِ وَعَرَّفَهُ ذَلِكَ، فَطَلَبَ لُؤْلُؤٌ مِنْ سَعْدِ الدَّوْلَةِ أَنْ يَتَحَرَّكَ مِنْ مَوْقِفِهِ وَيَقِفَ مَكَانَهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ امْتِنَاعٍ. فَحَمَلَ بَكْجُورُ وَمَنْ مَعَهُ، فَوَصَلُوا إِلَى مَوْقِفِ لُؤْلُؤٍ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ عَجِبَ النَّاسُ مِنْهُ وَاسْتَعْظَمُوهُ كُلُّهُمْ، فَلَمَّا رَأَى لُؤْلُؤًا أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَظُنُّهُ سَعْدَ الدَّوْلَةِ، فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، فَظَهَرَ حِينَئِذٍ سَعْدُ الدَّوْلَةِ وَعَادَ إِلَى مَوْقِفِهِ، فَفَرِحَ بِهِ أَصْحَابُهُ وَقَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَأَحَاطُوا بِبَكْجُورَ وَصَدَقُوهُ الْقِتَالَ فَمَضَى مُنْهَزِمًا هُوَ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، وَتَفَرَّقُوا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ مَعَهُ سَبْعَةُ أَنْفُسٍ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ فِي الْبَاقِينَ.

وَلَمَّا طَالَ الشَّوْطُ بِبَكْجُورَ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَسَارَ، فَوَقَفَ فَرَسُهُ، فَنَزَلَ عَنْهُ وَسَارَ رَاجِلًا، فَلَحِقَهُ نَفَرٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَخَذُوا مَا عَلَيْهِ، وَقَصَدَ بَعْضَ الْعَرَبِ فَنَزَلَ عَلَيْهِ وَعَرَّفَهُ نَفْسَهُ، وَضَمِنَ لَهُ حِمْلَ بَعِيرٍ ذَهَبًا لِيُوَصِّلَهُ إِلَى الرَّقَّةِ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ لِبُخْلِهِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ، فَتَرَكَهُ فِي بَيْتِهِ وَتَوَجَّهَ إِلَى سَعْدِ الدَّوْلَةِ (فَعَرَّفَهُ أَنَّ بَكْجُورَ عِنْدَهُ، فَحَكَّمَهُ سَعْدُ الدَّوْلَةِ) فِي مَطَالِبِهِ، فَطَلَبَ مِائَتَيْ فَدَّانٍ مِلْكًا، وَمِائَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَمِائَةَ جَمَلٍ تَحْمِلُ لَهُ حِنْطَةً، وَخَمْسِينَ قِطْعَةَ ثِيَابٍ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ أَجْمَعَ وَزِيَادَةً وَسَيَّرَ مَعَهُ سَرِيَّةً، فَتَسَلَّمُوا بَكْجُورَ وَأَحْضَرُوهُ عِنْدَ سَعْدِ الدَّوْلَةِ، فَلَمَّا رَآهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقُتِلَ، وَلَقِيَ عَاقِبَةَ بَغْيِهِ وَكُفْرِهِ إِحْسَانَ مَوْلَاهُ.

فَلَمَّا قَتَلَهُ سَعْدُ الدَّوْلَةِ سَارَ إِلَى الرَّقَّةِ فَنَازَلَهَا، وَبِهَا سَلَامَةُ الرَّشِيقِيُّ، وَمَعَهُ أَوْلَادُ بَكْجُورَ (وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْمَغْرِبِيُّ وَزِيرُ بَكْجُورَ، فَسَلَّمُوا الْبَلَدَ إِلَيْهِ بِأَمَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>