للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ مَوْتِ سُبُكْتِكِينَ وَمُلْكِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ سُبُكْتِكِينُ فِي شَعْبَانَ، وَكَانَ مُقَامُهُ بِبَلْخَ، وَقَدِ ابْتَنَى بِهَا دُورًا وَمَسَاكِنَ، فَمَرِضَ، وَطَالَ مَرَضُهُ، وَانْزَاحَ إِلَى هَوَاءِ غَزْنَةَ، فَسَارَ عَنْ بَلْخَ إِلَيْهَا، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، فَنُقِلَ مَيِّتًا إِلَى غَزْنَةَ وَدُفِنَ فِيهَا، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ نَحْوَ عِشْرِينَ سَنَةً.

وَكَانَ عَادِلًا، خَيِّرًا، كَثِيرَ الْجِهَادِ، حَسَنَ الِاعْتِقَادِ، ذَا مُرُوَّةٍ تَامَّةٍ، وَحُسْنِ عَهْدٍ وَوَفَاءٍ، لَا جَرَمَ بَارَكَ اللَّهُ فِي بَيْتِهِ، وَدَامَ مُلْكُهُمْ مُدَّةً طَوِيلَةً جَازَتْ مُدَّةَ مُلْكِ السَّامَانِيَّةِ وَالسَّلْجُوقِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَكَانَ ابْنُهُ مَحْمُودٌ أَوَّلَ مَنْ لُقِّبَ بِالسُّلْطَانِ، لَمْ يُلَقَّبْ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ.

وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عَهِدَ إِلَى وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ، فَلَمَّا مَاتَ بَايَعَ الْجُنْدُ لِإِسْمَاعِيلَ، وَحَلَفُوا لَهُ، وَأَطْلَقَ لَهُمُ الْأَمْوَالَ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ أَخِيهِ مَحْمُودٍ، فَاسْتَضْعَفَهُ الْجُنْدُ، فَاشْتَطُّوا فِي الطَّلَبِ حَتَّى أَفْنَى الْخَزَائِنَ الَّتِي خَلَّفَهَا أَبُوهُ.

ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ أَخِيهِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ عَلَى الْمُلْكِ

لَمَّا تُوُفِّيَ سُبُكْتِكِينُ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى وَلَدِهِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ مَحْمُودٍ بِنَيْسَابُورَ، جَلَسَ لِلْعَزَاءِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ إِسْمَاعِيلَ يُعَزِّيهِ بِأَبِيهِ، وَيُعَرِّفُهُ أَنَّ أَبَاهُ إِنَّمَا عَهِدَ إِلَيْهِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ، وَيُذَكِّرُهُ مَا يَتَعَيَّنُ مِنْ تَقْدِيمِ الْكَبِيرِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ الْوِفَاقَ، وَإِنْفَاذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ. فَلَمْ يَفْعَلْ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا فَلَمْ تَسْتَقِرَّ الْقَاعِدَةُ فَسَارَ مَحْمُودٌ عَنْ نَيْسَابُورَ إِلَى هَرَاةَ عَازِمًا عَلَى قَصْدِ أَخِيهِ بِغَزْنَةَ، وَاجْتَمَعَ بِعَمِّهِ بَغْرَاجِقَ بِهَرَاةَ، فَسَاعَدَهُ عَلَى أَخِيهِ إِسْمَاعِيلَ، وَسَارَ نَحْوَ بُسْتَ، وَبِهَا أَخُوهُ نَصْرٌ، فَتَبِعَهُ وَأَعَانَهُ وَسَارَ مَعَهُ إِلَى غَزْنَةَ.

وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ بِبَلْخَ، فَسَارَ عَنْهَا مُجِدًّا، فَسَبَقَ أَخَاهُ مَحْمُودًا

<<  <  ج: ص:  >  >>