ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ عَلَى خُرَاسَانَ
لَمَّا قُبِضَ الْأَمِيرُ مَنْصُورٌ سَارَ مَحْمُودٌ نَحْوَ فَائِقٍ وَبَكْتُوزُونَ، وَمَعَهُمَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نُوحٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِمَسِيرِهِ سَارُوا إِلَيْهِ، فَالْتَقَوْا بِمَرْوَ آخِرَ جُمَادَى الْأُولَى، وَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ رَآهُ النَّاسُ إِلَى اللَّيْلِ، فَانْهَزَمَ بَكْتُوزُونُ وَفَائِقٌ وَمَنْ مَعَهُمَا.
فَأَمَّا عَبْدُ الْمَلِكِ وَفَائِقٌ فَإِنَّهُمَا لَحِقَا بِبُخَارَى، وَقَصَدَ بَكْتُوزُونُ نَيْسَابُورَ، وَقَصَدَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سِيمْجُورُ قُهُسْتَانَ، فَرَأَى مَحْمُودٌ أَنْ يَقْصِدَ بَكْتُوزُونَ وَأَبَا الْقَاسِمِ، وَيُعَجِّلَهُمَا عَنِ الِاجْتِمَاعِ وَالِاحْتِشَادِ فَسَارَ إِلَى طُوسَ، فَهَرَبَ مِنْهُ بَكْتُوزُونُ إِلَى نَوَاحِي جُرْجَانَ، فَأَرْسَلَ مَحْمُودٌ خَلْفَهُ أَكْبَرَ قُوَّادِهِ وَأُمَرَائِهِ وَهُوَ أَرْسِلَانُ الْجَاذِبُ فِي عَسْكَرٍ جَرَّارٍ، فَاتَّبَعَهُ حَتَّى أَلْحَقَهُ بِجُرْجَانَ، وَعَادَ فَاسْتَخْلَفَهُ مَحْمُودٌ عَلَى طُوسَ، وَسَارَ إِلَى هَرَاةَ.
فَلَمَّا عَلِمَ بَكْتُوزُونُ بِمَسِيرِ مَحْمُودٍ عَنْ نَيْسَابُورَ عَادَ إِلَيْهَا فَمَلَكَهَا، فَقَصَدَهُ مَحْمُودٌ، فَأَجْفَلَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ إِجْفَالَ الظَّلِيمِ، وَاجْتَازَ بِمَرْوَ فَنَهَبَهَا، وَسَارَ عَنْهَا إِلَى بُخَارَى، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُ مَحْمُودٍ بِخُرَاسَانَ، فَأَزَالَ عَنْهَا اسْمَ السَّامَانِيَّةِ، وَخُطِبَ (فِيهَا لِلْقَادِرِ بِاللَّهِ، وَكَانَ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ لَا يُخْطَبُ لَهُ فِيهَا، إِنَّمَا كَانَ يُخْطَبُ) لِلطَّائِعِ لِلَّهِ، وَاسْتَقَلَّ بِمُلْكِهَا مُنْفَرِدًا، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ.
وَوَلَّى مَحْمُودٌ قِيَادَةَ جُيُوشِ خُرَاسَانَ أَخَاهُ نَصْرًا، وَجَعَلَهُ بِنَيْسَابُورَ عَلَى مَا كَانَ يَلِيهِ آلُ سِيمْجُورَ لِلسَّامَانِيَّةِ، وَسَارَ هُوَ إِلَى بَلْخَ، مُسْتَقَرِّ وَالِدِهِ، فَاتَّخَذَهَا دَارَ مُلْكٍ، وَاتَّفَقَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ بِخُرَاسَانَ عَلَى طَاعَتِهِ كَآلِ فَرِيغُونَ، أَصْحَابِ الْجُوزَجَانِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَالشَّارِ الشَّاهْ، صَاحِبِ غَرْشِسْتَانَ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute