فَعَلَ فُلْفُلُ بْنُ سَعِيدٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْعَسَاكِرَ، وَبَقِيَ يَطُّوفَتُ وَمَعَهُ أَعْمَامُهُ وَأَوْلَادُ أَعْمَامِهِ، فَلَمَّا أَبْعَدَ عَنْهُمْ بَادِيسُ عَصَوْا، وَخَالَفُوا عَلَيْهِ، مِنْهُمْ مَاكْسَنُ، وَزَاوِي وَغَيْرُهُمَا، وَقَبَضُوا عَلَى يَطُّوفَتَ، وَأَخَذُوا جَمِيعَ مَا مَعَهُ مِنَ الْمَالِ، فَهَرَبَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَعَادَ إِلَى بَادِيسَ.
وَأَمَّا فُلْفُلُ بْنُ سَعِيدٍ فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ الْعَسْكَرُ (الْمُسَيَّرُ إِلَى قِتَالِهِ لَقِيَهُمْ) وَقَاتَلَهُمْ وَهَزَمَهُمْ، وَقَتَّلَ فِيهِمْ، وَسَارَ يَطْلُبُ الْقَيْرَوَانَ. فَسَارَ عِنْدَ ذَلِكَ بَادِيسُ إِلَى بَاغَايَةَ، فَلَقِيَهُ أَهْلُهَا، فَعَرَّفُوهُ مَا قَاسَوْهُ مِنْ قِتَالِ فُلْفُلٍ، وَأَنَّهُ حَصَرَهُمْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَشَكَرَهُمْ، وَوَعَدَهُمُ الْإِحْسَانَ، وَسَارَ يَطْلُبُ فُلْفُلًا، فَوَصَلَ إِلَى مَرْمَجَنَّةَ، وَسَارَ فُلْفُلٌ إِلَيْهِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الْبَرْبَرِ وَزَنَاتَةَ، وَمَعَهُ كُلُّ مَنْ فِي نَفْسِهِ حِقْدٌ عَلَى بَادِيسَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَالْتَقَوْا بِوَادِي أَغْلَانَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَطَالَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَصْرَهُ عَلَى بَادِيسَ وَصِنْهَاجَةَ، وَانْهَزَمَ الْبَرْبَرُ وَزَنَاتَةُ هَزِيمَةً قَبِيحَةً، وَانْهَزَمَ فُلْفُلٌ فَأَبْعَدَ فِي الْهَزِيمَةِ، وَقُتِلَ مِنْ زُوَيْلَةَ تِسْعَةُ آلَافِ قَتِيلٍ سِوَى مَنْ قُتِلَ مِنَ الْبَرْبَرِ، وَعَادَ بَادِيسُ إِلَى قَصْرِهِ، وَفَرِحَ أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ لِأَنَّهُمْ خَافُوا أَنْ يَأْتِيَهُمْ فُلْفُلٌ.
ثُمَّ إِنَّ عُمُومَةَ بَادِيسَ اتَّصَلُوا بِفُلْفُلٍ، وَصَارُوا مَعَهُ عَلَى بَادِيسَ، فَلَمَّا سَمِعَ بَادِيسُ بِذَلِكَ سَارَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا وَصَلَ قَصْرَ الْإِفْرِيقِيِّ وَصَلَهُ أَنَّ عُمُومَتَهُ فَارَقُوا فُلْفُلًا، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوَى مَاكْسَنَ بْنِ زِيرِي، وَذَلِكَ أَوَّلُ سَنَةِ تِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْحَاكِمِ طَرَابُلُسِ الْغَرْبِ وَعَوْدِهَا إِلَى بَادِيسَ
كَانَ لِبَادِيسَ نَائِبٌ بِطَرَابُلُسِ الْغَرْبِ، فَكَاتَبَ الْحَاكِمَ بِأَمْرِ اللَّهِ بِمِصْرَ، وَطَلَبَ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ طَرَابُلُسَ وَيَلْتَحِقَ بِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْحَاكِمُ يَأْنَسَ الصِقِلِّيَّ، وَكَانَ خِصِّيصًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute