للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَسْرَى تَقُرُّبًا إِلَى أَيْلَكَ الْخَانِ بِذَلِكَ. فَعَلِمَ الْمُنْتَصِرُ، فَاخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةً يَثِقُ بِهِمْ، وَسَارَ بِهِمْ، فَعَبَرَ النَّهْرَ، وَنَزَلَ بِآمُلِ الشَّطِّ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ مَكَانٌ، وَكُلَّمَا قَصَدَ مَكَانًا رَدَّهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ مَعَرَّتِهِ، فَعَادَ وَعَبَرَ النَّهْرَ إِلَى بُخَارَى، وَطَلَبَ وَالِيَهَا لِأَيْلَكَ الْخَانِ، فَلَقِيَهُ وَاقْتَتَلُوا فَانْهَزَمَ الْمُنْتَصِرُ إِلَى دَبُوسِيَةَ وَجَمَعَ بِهَا، ثُمَّ عَاوَدَهُمْ فَهَزَمَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ فِتْيَانِ سَمَرْقَنْدَ، وَصَارُوا فِي جُمْلَتِهِ، وَحَمَلَ لَهُ أَهْلُهَا الْمَالَ وَالْآلَاتِ وَالثِّيَابَ وَالدَّوَابَّ وَغَيْرَ ذَلِكَ.

فَلَمَّا سَمِعَ أَيْلَكُ الْخَانُ بِحَالِهِ جَمَعَ الْأَتْرَاكَ وَسَارَ إِلَيْهِ فِي قَضِّهِ وَقَضِيضِهِ، وَالْتَقَوْا بِنَوَاحِي سَمَرْقَنْدَ، وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، فَانْهَزَمَ أَيْلَكُ الْخَانُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُ وَدَوَابَّهُ.

وَعَادَ أَيْلَكُ الْخَانُ إِلَى بِلَادِ التُّرْكِ، فَجَمَعَ وَحَشَدَ وَعَادَ إِلَى الْمُنْتَصِرِ، فَوَافَقَ عَوْدُهُ تَرَاجُعَ الْغُزِّيَّةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ الْمُنْتَصِرِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ، وَقَدْ زَحَفَ جَمْعُهُ، فَاقْتَتَلُوا بِنُوَاحِي أَسْرُوشَنَةَ، فَانْهَزَمَ الْمُنْتَصِرُ، وَأَكْثَرَ التُّرْكُ فِي أَصْحَابِهِ الْقَتْلَ.

وَسَارَ الْمُنْتَصِرُ مُنْهَزِمًا، حَتَّى عَبَرَ النَّهْرَ، وَسَارَ إِلَى الْجُوزَجَانَ فَنَهَبَ أَمْوَالَهَا، وَسَارَ يَطْلُبُ مَرْوَ، فَسَيَّرَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ الْعَسَاكِرَ، فَفَارَقَ مَكَانَهُ وَسَارَ وَهُمْ فِي أَثَرِهِ، حَتَّى أَتَى بِسْطَامٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَابُوسٌ عَسْكَرًا أَزْعَجَهُ عَنْهَا، فَلَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَذَاهِبُ عَادَ إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَعَبَرَ أَصْحَابُهُ وَقَدْ ضَجِرُوا وَسَئِمُوا مِنَ السَّهَرِ وَالتَّعَبِ وَالْخَوْفِ، فَفَارَقَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِ أَيْلَكَ الْخَانِ، فَأَعْلَمُوهُمْ بِمَكَانِهِ، فَلَمْ يَشْعُرِ الْمُنْتَصِرُ إِلَّا وَقَدْ أَحَاطَتِ الْخَيْلُ بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَطَارَدَهُمْ سَاعَةً ثُمَّ وَلَّاهُمُ الدُّبُرَ وَسَارَ فَنَزَلَ بِحُلَّةٍ مِنَ الْعَرَبِ فِي طَاعَةِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ قَدْ أَوْصَاهُمْ بِطَلَبِهِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمْهَلُوهُ حَتَّى أَظْلَمَ اللَّيْلُ، ثُمَّ وَثَبُوا عَلَيْهِ فَأَخَذُوهُ وَقَتَلُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْتُ الْحَادِثَةَ هَذِهِ السَّنَةَ لِتَرِدَ مُتَتَابِعَةً، فَلَوْ تَفَرَّقَتْ فِي السِّنِينَ لَمْ تُعْلَمْ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لِقِلَّتِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>