مُرَاسَلَةَ ابْنِهِ فِي مَعْنَاهُ، وَتَهَدَّدَهُ إِنْ تَعَرَّضَ بِشَيْءٍ هُوَ لَهُ، فَكَانَ جَوَابُ نَهْيِهِ أَنَّهُ جَمَعَ عَسْكَرَهُ وَحَصَرَ شَهْرَزُورَ فَفَتَحَهَا، وَقَتَلَ ابْنَ الْمَاضِي وَأَهْلَهُ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ. فَوَرَدَ عَلَى بَدْرٍ مِنْ ذَلِكَ مَا أَزْعَجَهُ وَأَقْلَقَهُ، وَأَظْهَرَ السُّخْطَ عَلَى هِلَالٍ.
وَشَرَعَ هِلَالٌ يُفْسِدُ جُنْدَ أَبِيهِ وَيَسْتَمِيلُهُمْ وَيَبْذُلُ لَهُمْ، فَكَثُرَ أَصْحَابُ هِلَالٍ لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَبَذْلِهِ الْمَالَ لَهُمْ، وَأَعْرَضَ النَّاسُ عَنْ بَدْرٍ لِإِمْسَاكِهِ الْمَالَ، فَسَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَالْتَقَيَا عَلَى بَابِ الدِّينَوَرَ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ انْحَازَتِ الْأَكْرَادُ إِلَى هِلَالٍ، فَأُخِذَ بَدْرٌ أَسِيرًا، وَحُمِلَ إِلَى ابْنِهِ، فَأُشِيرَ عَلَى هِلَالٍ بِقَتْلِهِ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَبْقِيَهُ بَعْدَمَا أَوْحَشْتَهُ، فَقَالَ: مَا بَلَغَ مِنْ عُقُوقِي لَهُ أَنْ أَقْتُلَهُ، وَحَضَرَ عِنْدَ أَبِيهِ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الْأَمِيرُ، وَأَنَا مُدَبِّرُ جَيْشِكِ. فَخَادَعُهُ أَبُوهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ: لَا يَسْمَعَنَّ هَذَا مِنْكَ أَحَدٌ فَيَكُونَ هَلَاكُنَا جَمِيعًا، وَهَذِهِ الْقَلْعَةُ لَكَ، وَالْعَلَامَةُ فِي تَسْلِيمِهَا كَذَا وَكَذَا، وَاحْفَظِ الْمَالَ الَّذِي بِهَا، فَإِنَّكَ الْأَمِيرُ مَا دَامَ النَّاسُ يَظُنُّونَ بَقَاءَهُ، وَأُرِيدُ أَنْ تُفْرِدَ لِي قَلْعَةً أَتَفَرَّغُ فِيهَا لِلْعِبَادَةِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَاهُ جُمْلَةً مِنَ الْمَالِ.
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بَدْرٌ بِالْقَلْعَةِ عَمَّرَهَا وَحَصَّنَهَا، وَرَاسَلَ أَبَا الْفَتْحِ بْنَ عَنَّازٍ، وَأَبَا عِيسَى شَاذِي بْنَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ بِأَسَادَابَاذَ، يَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِيَقْصِدَ أَعْمَالَ هِلَالٍ وَيُشَعِّثَهَا. فَسَارَ أَبُو الْفَتْحِ إِلَى قَرْمِيسِينَ فَمَلَكَهَا، وَسَارَ أَبُو عِيسَى إِلَى سَابُورَ خَوَاسْتَ، فَنَهَبَ حُلَلَ هِلَالٍ، وَمَضَى إِلَى نَهَاوَنْدَ، وَبِهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ رَافِعٍ، فَاتَّبَعَهُ هِلَالٌ إِلَيْهَا وَوَضَعَ السَّيْفَ فِي الدَّيْلَمِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ أَرْبَعَمِائَةِ نَفْسٍ، مِنْهُمْ تِسْعُونَ أَمِيرًا، وَأَسْلَمَ ابْنُ رَافِعٍ أَبَا عِيسَى إِلَى هِلَالٍ فَعَفَا عَنْهُ، وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ عَلَى فِعْلِهِ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ.
وَأَرْسَلَ بَدْرٌ إِلَى الْمَلِكِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ يَسْتَنْجِدُهُ فَجَهَّزَ فَخْرَ الْمُلْكِ أَبَا غَالِبٍ فِي جَيْشٍ وَسَيَّرَهُ إِلَى بَدْرٍ، فَسَارَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى سَابُورَ خَوَاسْتَ فَقَالَ هِلَالٌ لِأَبِي عِيسَى شَاذِي: قَدْ جَاءَتْ عَسَاكِرُ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، فَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: الرَّأْيُ أَنْ تَتَوَقَّفَ عَنْ لِقَائِهِمْ، وَتَبْذُلَ لِبَهَاءِ الدَّوْلَةِ الطَّاعَةَ. وَتُرْضِيهِ بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوكَ فَضَيِّقْ عَلَيْهِمْ، وَانْصَرِفْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْمُطَاوَلَةَ، وَلَا تَظُنَّ هَذَا الْعَسْكَرَ كَمَنْ لَقِيتَهُ بِبَابِ نَهَاوَنْدَ، فَإِنَّ أُولَئِكَ ذَلَّلَهُمْ أَبُوكَ عَلَى مَمَرِّ السِّنِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute