فَقَالَ: غَشَشْتَنِي وَلَمْ تَنْصَحْنِي، وَأَرَدْتَ بِالْمُطَاوَلَةِ أَنْ يَقْوَى أَبِي وَأَضْعُفَ أَنَا، وَقَتَلَهُ، وَسَارَ لِيَكْبِسَ الْعَسْكَرَ لَيْلًا. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ وَقَعَ الصَّوْتُ، فَرَكِبَ فَخْرُ الْمُلْكِ فِي الْعَسَاكِرِ، وَجَعَلَ عِنْدَ أَثْقَالِهِمْ مَنْ يَحْمِيهَا، وَتَقَدَّمَ إِلَى قِتَالِ هِلَالٍ، فَلَمَّا رَأَى هِلَالٌ صُعُوبَةَ الْأَمْرِ نَدِمَ، وَعَلِمَ أَنَّ أَبَا عِيسَى بْنَ شَاذِي نَصَحَهُ، فَنَدِمَ عَلَى قَتْلِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى فَخْرِ الْمُلْكِ يَقُولُ لَهُ: إِنَّنِي مَا جِئْتُ لِقِتَالٍ وَحَرْبٍ، إِنَّمَا جِئْتُ لِأَكُونَ قَرِيبًا مِنْكَ وَأَنْزِلَ عَلَى حُكْمِكَ، فَتَرُدَّ الْعَسْكَرَ عَنِ الْحَرْبِ، فَإِنَّنِي أَدْخُلُ فِي الطَّاعَةِ.
فَمَالَ فَخْرُ الْمُلْكِ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَأَرْسَلَ الرَّسُولَ إِلَى بَدْرٍ لِيُخْبِرَهُ بِمَا جَاءَ بِهِ. فَلَمَّا رَأَى بَدْرٌ الرَّسُولَ سَبَّهُ وَطَرَدَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى فَخْرِ الْمُلْكِ يَقُولُ لَهُ:
إِنَّ هَذَا مَكْرٌ مِنْ هِلَالٍ، لَمَّا رَأَى ضَعْفَهُ، وَالرَّأْيُ أَنْ لَا تُنَفِّسَ خِنَاقَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ فَخْرُ الْمُلْكِ الْجَوَابَ قَوِيَتْ نَفْسُهُ، وَكَانَ يَتَّهِمُ بَدْرًا بِالْمَيْلِ إِلَى ابْنِهِ وَتَقَدَّمَ إِلَى الْجَيْشِ بِالْحَرْبِ، فَقَاتَلُوا، فَلَمْ يَكُنْ أَسْرَعَ مِنْ أَنْ أُتِيَ بِهِلَالٍ أَسِيرًا، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ، وَطَلَبَ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إِلَى أَبِيهِ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَطَلَبَ عَلَامَتَهُ بِتَسْلِيمِ الْقَلْعَةِ، فَأَعْطَاهُمُ الْعَلَامَةَ، فَامْتَنَعَتْ أُمُّهُ وَمَنْ بِالْقَلْعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ، وَطَلَبُوا الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُمْ فَخْرُ الْمُلْكِ، وَصَعِدَ الْقَلْعَةَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ نَزَلَ مِنْهَا وَسَلَّمَهَا إِلَى بَدْرٍ، وَأَخَذَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَتْ عَظِيمَةً، قِيلَ: كَانَ بِهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ بَدْرَةٍ دَرَاهِمَ، وَأَرْبَعُمِائَةِ بَدْرَةٍ ذَهَبًا، سِوَى الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ، وَالثِّيَابِ، وَالسِّلَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ ذِكْرَ هَذَا، فَمِمَّنْ قَالَ مِهْيَارُ:
فَظَنُّوكَ تَعِبًا بِحَمْلِ الْعِرَاقِ
،
كَأَنْ لَمْ يَرَوْكَ حَمَلْتَ الْجِبَالَا ... وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي الْعُلُوِّ السَّمَاءُ
لَمَا كَانَ غُنْمُكَ مِنْهَا هِلَالَا ... سَرَيْتَ إِلَيْهِ، فَكُنْتَ السِّرَارَ
لَهُ، وَلِبَدْرٍ أَبِيهِ كَمَالَا
وَهِيَ كَثِيرَةٌ.
ذِكْرُ عَوْدِ الْمُؤَيَّدِ إِلَى إِمَارَةِ الْأَنْدَلُسِ وَمَا كَانَ مِنْهُ
قَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ خَلْعِهِ وَحَبْسِهِ، فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةُ أُعِيدَ إِلَى خِلَافَتِهِ، وَاسْمُهُ هِشَامُ بْنُ الْحَاكِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ، وَكَانَ عَوْدُهُ تَاسِعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَانَ الْحُكْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute