ثُمَّ فَسَدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ، فَطَمِعَ فِيهِ ابْنُ مِرْدَاسٍ، وَبَنُو كِلَابٍ، وَكَانُوا يُطَالِبُونَهُ بِالصِّلَاتِ وَالْخِلَعِ. ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا هَذِهِ السَّنَةَ فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ، وَدَخَلُوا مَدِينَةَ حَلَبَ، فَأَمَرَ ابْنُ لُؤْلُؤٍ بِإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ وَالْقَبْضِ عَلَيْهِمْ، فَقَبَضَ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا، مِنْهُمْ صَالِحُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَحَبَسَهُمْ، وَقَتَلَ مِائَتَيْنِ، وَأَطْلَقَ مَنْ لَمْ يُفَكِّرْ بِهِ.
وَكَانَ صَالِحٌ قَدْ تَزَوَّجَ بِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ يُسَمَّى جَابِرًا، وَكَانَتْ جَمِيلَةً، فَوُصِفَتْ لِابْنِ لُؤْلُؤٍ، فَخَطَبَهَا إِلَى إِخْوَتِهَا، وَكَانُوا فِي حَبْسِهِ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ صَالِحًا قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ، وَبَقِيَ صَالِحُ بْنُ مِرْدَاسٍ فِي الْحَبْسِ، فَتَوَصَّلَ حَتَّى صَعِدَ مِنَ السُّورِ وَأَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ أَعْلَى الْقَلْعَةِ إِلَى تَلِّهَا، وَاخْتَفَى فِي مَسِيلِ مَاءٍ.
وَوَقَعَ الْخَبَرُ بِهَرَبِهِ، فَأَرْسَلَ ابْنُ لُؤْلُؤٍ الْخَيْلَ فِي طَلَبِهِ، فَعَادُوا وَلَمْ يَظْفَرُوا بِهِ. فَلَمَّا سَكَنَ عَنْهُ الطَّلَبُ سَارَ بِقَيْدِهِ وَلَبِنَةِ حَدِيدٍ فِي رِجْلَيْهِ، حَتَّى وَصَلَ قَرْيَةً تُعْرَفُ بِالْيَاسِرِيَّةِ، فَرَأَى نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ فَعَرَفُوهُ وَحَمَلُوهُ إِلَى أَهْلِهِ بِمَرْجِ دَابِقٍ، فَجَمَعَ أَلْفَيْ فَارِسٍ فَقَصَدَ حَلَبَ وَحَاصَرَهَا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَخَرَجَ إِلَيْهِ ابْنُ لُؤْلُؤٍ، (فَقَاتَلَهُ، فَهَزَمَهُمْ) صَالِحٌ وَأَسَرَ ابْنَ لُؤْلُؤٍ، وَقَيَّدَهُ بِقَيْدِهِ الَّذِي كَانَ فِي رِجْلِهِ وَلَبِنَتِهِ. وَكَانَ لِابْنِ لُؤْلُؤٍ أَخٌ فَنَجَا وَحَفِظَ مَدِينَةَ حَلَبَ.
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ لُؤْلُؤٍ بَذَلَ لِابْنِ مِرْدَاسٍ مَالًا عَلَى أَنْ يُطْلِقَهُ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْحَالُ بَيْنَهُمَا أَخَذَ رَهَائِنَهُ وَأَطْلَقَهُ، فَقَالَتْ أَمُّ صَالِحٍ لِابْنِهَا: قَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مَا لَا كُنْتَ تُؤَمِّلُهُ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُتِمَّ صَنِيعَكَ بِإِطْلَاقِ الرَّهَائِنِ فَهُوَ الْمَصْلَحَةُ، فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْغَدْرَ بِكَ لَا يَمْنَعُهُ مَنْ عِنْدَكَ؛ فَأَطْلَقَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا الْبَلَدَ حَمَلَ ابْنُ لُؤْلُؤٍ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَقَرَّ، وَكَانَ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ مِائَتَا أَلْفِ دِينَارٍ، وَمِائَةُ ثَوْبٍ، وَإِطْلَاقُ كُلِّ أَسِيرٍ عِنْدَهُ مِنْ بَنِي كِلَابٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute