يَقُولُ لِلْأَسْوَدِ بْنِ الْمُنْذِرِ: قَدْ عَرَفْتَ أَنِّي أَرْجُوكَ وَعَيْنِي إِلَيْكَ، وَإِنَّنِي أُرِيدُكَ أَنْ تُخَالِفَ عَدِيَّ بْنَ زَيْدٍ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا يَنْصَحُ لَكَ أَبَدًا! فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ.
فَلَمَّا أَمَرَ كِسْرَى عَدِيَّ بْنَ زَيْدٍ أَنْ يُحْضِرَهُمْ، أَحْضَرَهُمْ رَجُلًا رَجُلًا وَسَأَلَهُمْ كِسْرَى: أَتَكْفُونَنِي الْعَرَبَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ إِلَّا النُّعْمَانَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ النُّعْمَانُ رَأَى رَجُلًا دَمِيمًا أَحْمَرَ أَبْرَشَ قَصِيرًا فَقَالَ لَهُ: أَتَكْفِينِي إِخْوَتَكَ وَالْعَرَبَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ عَجَزْتُ عَنْ إِخْوَتِي فَأَنَا عَنْ غَيْرِهِمْ أَعْجَزُ. فَمَلَّكَهُ وَكَسَاهُ وَأَلْبَسَهُ تَاجًا قِيمَتُهُ سِتُّونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ عَدِيُّ بْنُ مَرِينَا لِلْأَسْوَدِ: دُونَكَ فَقَدْ خَالَفْتَ الرَّأْيَ.
ثُمَّ صَنَعَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ طَعَامًا وَدَعَا عَدِيَّ بْنَ مَرِينَا إِلَيْهِ وَقَالَ: إِنِّي عَرَفْتُ أَنَّ صَاحِبَكَ الْأَسْوَدَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ صَاحِبِي النُّعْمَانِ، فَلَا تَلُمْنِي عَلَى شَيْءٍ كُنْتَ عَلَى مِثْلِهِ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَلَّا تَحْقِدَ عَلَيَّ، وَإِنَّ نَصِيبِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ لَيْسَ بِأَوْفَرَ مِنْ نَصِيبِكَ، وَحَلَفَ لِابْنِ مَرِينَا أَنْ لَا يَهْجُوهُ وَلَا يَبْغِيهِ غَائِلَةً أَبَدًا، فَقَامَ ابْنُ مَرِينَا وَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يَهْجُوهُ وَيَبْغِيهِ الْغَوَائِلَ. وَسَارَ النُّعْمَانُ حَتَّى نَزَلَ الْحِيرَةَ، وَقَالَ ابْنُ مَرِينَا لِلْأَسْوَدِ: إِذَا فَاتَكَ فَلَا تَعْجَزْ أَنْ تَطْلُبَ بِثَأْرِكَ مِنْ عَدِيٍّ فَإِنَّ مَعَدًّا لَا يَنَامُ مُكْرَهًا، وَأَمَرْتُكَ بِمَعْصِيَتِهِ فَخَالَفْتَنِي، وَأُرِيدُ أَنْ لَا يَأْتِيَكَ مِنْ مَالِكَ شَيْءٌ إِلَّا عَرَضْتَهُ عَلَيَّ. فَفَعَلَ.
وَكَانَ ابْنُ مَرِينَا كَثِيرَ الْمَالِ، وَكَانَ لَا يُخَلِّي النُّعْمَانَ يَوْمًا مِنْ هَدِيَّةٍ وَطُرْفَةٍ، فَصَارَ مِنْ أَكْرَمِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا ذُكِرَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ وَصَفَهُ وَقَالَ: إِلَّا أَنَّهُ فِيهِ مَكْرٌ وَخَدِيعَةٌ، وَاسْتَمَالَ أَصْحَابَ النُّعْمَانِ، فَمَالُوا إِلَيْهِ، وَوَاضَعَهُمْ عَلَى أَنْ قَالُوا لِلنُّعْمَانِ: إِنَّ عَدِيَّ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ إِنَّكَ عَامِلُهُ، وَلَمْ يَزَالُوا بِالنُّعْمَانِ حَتَّى أَضْغَنُوهُ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَدِيٍّ يَسْتَزِيرُهُ، فَاسْتَأْذَنَ عَدِيٌّ كِسْرَى فِي ذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ حَتَّى حَبَسَهُ وَمَنَعَ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ عَدِيٌّ يَقُولُ الشِّعْرَ وَهُوَ فِي السِّجْنِ، وَبَلَغَ النُّعْمَانَ قَوْلُهُ فَنَدِمَ عَلَى حَبْسِهِ إِيَّاهُ وَخَافَ مِنْهُ إِذَا أَطْلَقَهُ.
فَكَتَبَ عَدِيٌّ إِلَى أَخِيهِ أُبَيٍّ أَبْيَاتًا يُعْلِمُهُ بِحَالِهِ، فَلَمَّا قَرَأَ أَبْيَاتَهُ وَكِتَابَهُ كَلَّمَ كِسْرَى فِيهِ، فَكَتَبَ إِلَى النُّعْمَانِ وَأَرْسَلَ رَجُلًا فِي إِطْلَاقِ عَدِيٍّ، وَتَقَدَّمَ أَخُو عَدِيٍّ إِلَى الرَّسُولِ بِالدُّخُولِ إِلَى عَدِيٍّ قَبْلَ النُّعْمَانِ، فَفَعَلَ وَدَخَلَ عَلَى عَدِيٍّ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ أُرْسِلَ لِإِطْلَاقِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute