للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ عَدِيٌّ: لَا تَخْرُجْ مِنْ عِنْدِي وَأَعْطِنِي الْكِتَابَ حَتَّى أُرْسِلَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِي قَتَلَنِي، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَدَخَلَ أَعْدَاءُ عَدِيٍّ عَلَى النُّعْمَانِ فَأَعْلَمُوهُ الْحَالَ وَخَوَّفُوهُ مِنْ إِطْلَاقِهِ، فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِ فَخَنَقُوهُ ثُمَّ دَفَنُوهُ.

وَجَاءَ الرَّسُولُ فَدَخَلَ عَلَى النُّعْمَانِ بِالْكِتَابِ فَقَالَ: نَعَمْ وَكَرَامَةٌ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ مِثْقَالٍ وَجَارِيَةٍ وَقَالَ: إِذَا أَصْبَحْتَ ادْخُلْ إِلَيْهِ فَخُذْهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ الرَّسُولُ غَدَا إِلَى السِّجْنِ فَلَمْ يَرَ عَدِيًّا، وَقَالَ لَهُ الْحَرَسُ: إِنَّهُ مَاتَ مُنْذُ أَيَّامٍ. فَرَجَعَ إِلَى النُّعْمَانِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَآهُ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَرَهُ الْيَوْمَ، فَقَالَ: كَذَبْتَ! وَزَادَهُ رِشْوَةً وَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ أَنْ لَا يُخْبِرَ كِسْرَى، إِلَّا أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى النُّعْمَانِ. قَالَ: وَنَدِمَ النُّعْمَانُ عَلَى قَتْلِهِ، وَاجْتَرَأَ أَعْدَاءُ عَدِيٍّ عَلَى النُّعْمَانِ وَهَابَهُمْ هَيْبَةً شَدِيدَةً. فَخَرَجَ النُّعْمَانُ فِي بَعْضِ صَيْدِهِ، فَرَأَى ابْنًا لِعَدِيٍّ يُقَالُ لَهُ زَيْدٌ، فَكَلَّمَهُ وَفَرِحَ بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ أَبِيهِ وَسَيَّرَهُ، إِلَى كِسْرَى وَوَصَفَهُ لَهُ، وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مَكَانَ أَبِيهِ، فَفَعَلَ كِسْرَى، وَكَانَ يَلِي مَا يُكْتَبُ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، وَسَأَلَهُ كِسْرَى عَنِ النُّعْمَانِ فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَأَقَامَ عِنْدَ الْمَلِكِ سَنَوَاتٍ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ، وَكَانَ يُكْثِرُ الدُّخُولَ عَلَى كِسْرَى.

وَكَانَ لِمُلُوكِ الْأَعَاجِمِ صِفَةٌ لِلنِّسَاءِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُمْ، وَكَانُوا يَبْعَثُونَ فِي طَلَبِ مَنْ يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ النِّسَاءِ وَلَا يَقْصِدُونَ الْعَرَبَ، فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ عَدِيٍّ: إِنِّي أَعْرِفُ عِنْدَ عَبْدِكَ النُّعْمَانِ مِنْ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ عَمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ امْرَأَةً عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. قَالَ: فَتَكْتُبُ فِيهِنَّ. قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّ شَرَّ شَيْءٍ فِي الْعَرَبِ، وَفِي النُّعْمَانِ أَنَّهُمْ يَتَكَرَّمُونَ بِأَنْفُسِهِمْ عَنِ الْعَجَمِ، فَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تُعْنِتَهُنَّ، وَإِنْ قَدِمْتُ أَنَا عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، فَابْعَثْنِي وَابْعَثْ مَعِيَ رَجُلًا يَفْقَهُ الْعَرَبِيَّةَ، فَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا جَلْدًا، فَخَرَجَا حَتَّى بَلَغَا الْحِيرَةَ وَدَخَلَا عَلَى النُّعْمَانِ. قَالَ لَهُ زَيْدٌ: إِنَّ الْمَلِكَ احْتَاجَ إِلَى نِسَاءٍ لِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَأَرَادَ كَرَامَتَكَ فَبَعَثَ إِلَيْكَ. قَالَ: وَمَا هَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ صِفَتُهُنَّ قَدْ جِئْنَا بِهَا.

وَكَانَتِ الصِّفَةُ أَنَّ الْمُنْذِرَ أَهْدَى إِلَى أَنُوشِرْوَانَ جَارِيَةً أَصَابَهَا عِنْدَ الْغَارَةِ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، وَكَتَبَ يَصِفُهَا أَنَّهَا مُعْتَدِلَةُ الْخَلْقِ، نَقِيَّةُ اللَّوْنِ وَالثَّغْرِ، بَيْضَاءُ، وَطْفَاءُ، قَمْرَاءُ، دَعْجَاءُ، حَوْرَاءُ، عَيْنَاءُ، قَنْوَاءُ، شَمَّاءُ، زَجَّاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>