وَهَذَا الْمُعِزُّ أَوَّلُ مَنْ حَمَلَ النَّاسَ بِإِفْرِيقِيَّةَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَانَ الْأَغْلَبَ عَلَيْهِمْ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا كَرَامَتُ فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَى مَدِينَةَ أَشِيرَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ قَبَائِلُ صِنْهَاجَةَ وَغَيْرِهِمْ، فَأَتَاهُ حَمَّادٌ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ كَرَامَتُ [فِي] سَبْعَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَرَجَعَ بَعْضُ أَصْحَابِ كَرَامَتَ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ فَانْتَهَبُوهُ وَهَرَبُوا، فَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، وَوَصَلَ إِلَى مَدِينَةِ أَشِيرَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ قَاضِيهَا وَأَعْيَانُ أَهْلِهَا بِالْمُقَامِ وَمَنْعِ حَمَّادٍ عَنْهَا، فَفَعَلَ، وَنَازَلَهُمْ حَمَّادٌ، وَطَلَبَ كَرَامَتَ لِيَجْتَمِعَ بِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَأَعْطَاهُ مَالًا، وَأَذِنَ لَهُ فِي الْمَسِيرِ إِلَى الْمُعِزِّ، وَقَتَلَ حَمَّادٌ مِنْ أَهْلِ أَشِيرَ كَثِيرًا حَيْثُ أَشَارُوا عَلَى كَرَامَتَ بِحِفْظِ الْبَلَدِ وَمَنْعِ حَمَّادٍ مِنْهُ، وَوَصَلَ كَرَامَتُ إِلَى الْمُعِزِّ فِي الْمُحَرَّمِ هَذِهِ السَّنَةَ، فَأَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ.
وَفِي آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ سَيَّرَ الْحَاكِمُ الْخِلَعَ مِنْ مِصْرَ إِلَى الْمُعِزِّ، وَلَقَّبَهُ شَرَفَ الدَّوْلَةِ، (وَلَمْ يَذْكُرْ مَا كَانَ مِنْهُ إِلَى الشِّيعَةِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ) ، وَسَارَ الْمُعِزُّ إِلَى حَمَّادٍ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ بِالْعَسَاكِرِ لِمَنْعِهِ عَنِ الْبِلَادِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحَاصِرُ بَاغَايَةَ وَغَيْرَهَا، فَلَمَّا قَارَبَهُ رَحَلَ عَنْ بَاغَايَةَ، وَالْتَقَوْا آخِرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَاقْتَتَلُوا، فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَةٌ حَتَّى انْهَزَمَ حَمَّادٌ وَأَصْحَابُهُ، وَوَضَعَ أَصْحَابُ الْمُعِزِّ فِيهِمُ السَّيْفَ، وَغَنِمُوا مَا لَهُمْ مِنْ عِدَدٍ وَمَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَنَادَى الْمُعِزُّ: مَنْ أَتَى بِرَأْسٍ فَلَهُ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، فَأُتِيَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، وَأُسِرَ إِبْرَاهِيمُ أَخُو حَمَّادٍ، وَنَجَا حَمَّادٌ وَقَدْ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَرَجَعَ الْمُعِزُّ، وَوَرَدَ رَسُولٌ مِنْ حَمَّادٍ إِلَيْهِ يَعْتَذِرُ، وَيُقِرُّ بِالْخَطَإِ، وَيَسْأَلُ الْعَفْوَ، فَأَجَابَهُ الْمُعِزُّ: إِنْ كُنْتَ عَلَى مَا قُلْتَهُ فَأَرْسِلْ وَلَدَكَ الْقَائِدَ إِلَيْنَا.
وَاسْتَعْمَلَ الْمُعِزُّ عَلَى جَمِيعِ الْعَرَبِ الْمُجَاوِرَةِ لِإِبْرَاهِيمَ عَمِّهِ كَرَامَتَ، فَعَادَ جَوَابُ حَمَّادٍ أَنَّهُ إِذَا وَصَلَهُ كِتَابُ أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بِالْعَلَامَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ لَهُعَهْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute