الْمُنَافَسَةِ. فَاجْتَمَعَا مَعَ أَيُّوبَ وَقَالُوا: إِنَّ الْعَدُوَّ قَرِيبٌ مِنَّا، وَصَاحِبَنَا بَعِيدٌ عَنَّا، وَمَتَى لَمْ نُقَدِّمْ رَأْسًا نَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي أُمُورِنَا لَمْ نَأْمَنِ الْعَدُوَّ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ مَيْلَ صِنْهَاجَةَ إِلَى الْمُعِزِّ، وَغَيْرِهِمْ إِلَى كَرَامَتَ بْنِ الْمَنْصُورِ أَخِي بَادِيسَ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى تَوْلِيَةِ كَرَامَتَ ظَاهِرًا، فَإِذَا وَصَلُوا إِلَى مَوْضِعِ الْأَمْنِ، وَلَّوُا الْمُعِزَّ بْنَ بَادِيسَ، وَيَنْقَطِعُ الشَّرُّ.
فَأَحْضَرُوا كَرَامَتَ وَبَايَعُوهُ، وَوَلَّوْهُ فِي الْحَالِ، وَأَصْبَحُوا وَلَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعَسْكَرِ خَبْرٌ مِنْ ذَلِكَ، وَعَزَمُوا أَنْ يَقُولُوا لِلنَّاسِ بُكْرَةً إِنَّ بَادِيسَ قَدْ شَرِبَ دَوَاءً، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَغْلَقَ أَهْلُ مَدِينَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ أَبْوَابَهَا، وَكَأَنَّمَا نُودِيَ فِيهِمْ بِمَوْتِ بَادِيسَ، فَشَاعَ الْخَبَرُ، وَخَافَ النَّاسُ خَوْفًا عَظِيمًا، وَاضْطَرَبُوا لِمَوْتِهِ وَأَظْهَرُوا وِلَايَةَ كَرَامَتَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبِيدُ بَادِيسَ وَمَنْ مَعَهُمْ أَنْكَرُوهُ، فَخَلَا حَبِيبٌ بِأَكَابِرِهِمْ، وَعَرَّفَهُمُ الْحَالَ فَسَكَنُوا.
وَمَضَى كَرَامَتُ إِلَى مَدِينَةِ أَشِيرَ لِيَجْمَعَ صِنْهَاجَةَ، وَتَلْكَاتَةَ، وَغَيْرَهُمْ، وَأَعْطَوْهُمْ مِنَ الْخَزَائِنِ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ.
وَأَمَّا الْمُعِزُّ فَإِنَّهُ كَانَ عُمْرُهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا تَقْرِيبًا، لِأَنَّ مَوْلِدَهُ كَانَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ الْخَبَرُ بِمَوْتِ أَبِيهِ أَجْلَسَهُ مَنْ عِنْدَهُ لِلْعَزَاءِ، ثُمَّ رَكِبَ فِي الْمَوْكِبِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ فَكَانَ يَرْكَبُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيُطْعِمُ النَّاسَ كُلَّ يَوْمٍ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَأَمَّا الْعَسَاكِرُ فَإِنَّهُمْ رَحَلُوا مِنْ مَدِينَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ إِلَى الْمُعِزِّ، وَجَعَلُوا بَادِيسَ فِي تَابُوتٍ بَيْنَ يَدَيِ الْعَسْكَرِ، وَالطُّبُولَ وَالْبُنُودَ عَلَى رَأْسِهِ، وَالْعَسَاكِرُ تَتْبَعُهُ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً، وَكَانَ وُصُولُهُمْ إِلَى الْمَنْصُورِيَّةِ رَابِعَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَوَصَلُوا إِلَى الْمَهْدِيَّةِ، وَالْمُعِزُّ بِهَا ثَامِنَ الْمُحَرَّمِ، فَرَكِبَ الْمُعِزُّ وَوَقَفَ حَبِيبٌ يُعْلِمُهُ بِهِمْ، وَيَذْكُرُ لَهُ أَسْمَاءَهُمْ، وَيُعَرِّفُهُ بِقُوَّادِهِمْ وَأَكَابِرِهِمْ، فَرَحَلَ الْمُعِزُّ مِنَ الْمَهْدِيَّةِ فَوَصَلَ إِلَى الْمَنْصُورِيَّةِ مُنْتَصَفَ الْمُحَرَّمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute