للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ عَادِلًا، خَيِّرًا، دَيِّنًا، يُحِبُّ الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ، وَيَمِيلُ إِلَى أَهْلِ الدِّينِ، وَيَصِلُهُمْ وَيُقَرِّبُهُمْ، وَمَا أَشْبَهَ قِصَّتَهُ بِقِصَّةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَقِيلَ: كَانَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ قَرَاخَانَ، أَخِي طُغَانَ خَانَ، وَإِنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.

ذِكْرُ مُلْكِ أَخِيهِ أَرْسَلَانَ خَانَ

لَمَّا مَاتَ طُغَانُ خَانَ مَلَكَ بَعْدَهُ أَخُوهُ أَبُو الْمُظَفَّرِ أَرْسَلَانُ خَانَ، وَلَقَبُهُ شَرَفُ الدَّوْلَةِ، فَخَالَفَ عَلَيْهِ قَدْرُ خَانَ يُوسُفُ بْنُ بَغْرَا خَانَ هَارُونَ بْنِ سُلَيْمَانَ الَّذِي مَلَكَ بُخَارَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ يَنُوبُ عَنْ طُغَانَ خَانَ بِسَمَرْقَنْدَ، فَكَاتَبَ يَمِينَ الدَّوْلَةِ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى أَرْسَلَانَ خَانَ، فَعَقَدَ عَلَى جَيْحُونَ جِسْرًا مِنَ السُّفُنِ، وَضَبَطَهُ بِالسَّلَاسِلِ، فَعَبَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ هُنَاكَ قَبْلَ هَذَا، وَأَعَانَهُ عَلَى أَرْسَلَانَ خَانَ.

ثُمَّ إِنَّ يَمِينَ الدَّوْلَةِ خَافَهُ، فَعَادَ إِلَى بِلَادِهِ، فَاصْطَلَحَ قَدْرُ خَانَ وَأَرْسَلَانُ خَانَ عَلَى قَصْدِ بِلَادِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ وَاقْتِسَامِهَا، وَسَارَا إِلَى بَلْخَ.

وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى يَمِينِ الدَّوْلَةِ، فَقَصَدَهُمَا، وَاقْتَتَلُوا، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ، ثُمَّ انْهَزَمَ التُّرْكُ وَعَبَرُوا جَيْحُونَ، فَكَانَ مَنْ غَرِقَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِمَّنْ نَجَا.

وَوَرَدَ رَسُولُ مُتَوَلِّي خُوَارَزْمَ إِلَى يَمِينِ الدَّوْلَةِ يُهَنِّئُهُ بِالْفَتْحِ عَقِيبَ الْوَقْعَةِ، فَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ؟ فَقَالَ: مِنْ كَثْرَةِ الْقَلَانِسِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى الْمَاءِ، وَعَبَرَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ، فَشَكَا أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ إِلَى قَدْرَ خَانَ مَا يَلْقَوْنَ مِنْ عَسْكَرِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ، فَقَالَ: قَدْ قَرُبَ الْأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا، فَإِنْ ظَفِرْنَا مَنَعْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ ظَفِرَ عَدُوُّنَا فَقَدِ اسْتَرَحْتُمْ مِنَّا. ثُمَّ اجْتَمَعَ هُوَ وَقَدْرُ خَانَ، وَأَكَلَا طَعَامًا، وَكَانَ قَدْرُ خَانَ عَادِلًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، كَثِيرَ الْجِهَادِ، فَمِنْ فُتُوحِهِ خُتَنُ، وَهِيَ بِلَادٌ بَيْنَ الصِّينِ وَتُرْكُسْتَانَ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُضَلَاءِ، وَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَتُوُفِّيَ فِيهَا، وَكَانَ يُدِيمُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>