وَكَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.
فَلَمَّا مَاتَ اسْتَعْمَلَ كِسْرَى إِيَاسَ بْنَ قَبِيصَةَ الطَّائِيَّ عَلَى الْحِيرَةِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ النُّعْمَانُ. وَكَانَ كِسْرَى اجْتَازَ بِهِ لَمَّا سَارَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَ كِسْرَى بِأَنْ يَجْمَعَ مَا خَلَّفَهُ النُّعْمَانُ وَيُرْسِلَهُ إِلَيْهِ، فَبَعَثَ إِيَاسٌ إِلَى هَانِئِ بْنِ مَسْعُودٍ الشَّيْبَانِيِّ يَأْمُرُهُ بِإِرْسَالِ مَا اسْتَوْدَعَهُ النُّعْمَانُ، فَأَبَى هَانِئٌ أَنْ يُسَلِّمَ مَا عِنْدَهُ. فَلَمَّا أَبَى هَانِئٌ غَضِبَ كِسْرَى، وَعِنْدَهُ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ التَّغْلِبِيُّ، وَهُوَ يُحِبُّ هَلَاكَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَقَالَ لِكِسْرَى: أَمْهِلْهُمْ حَتَّى يَقِيظُوا وَيَتَسَاقَطُوا عَلَى ذِي قَارٍ تَسَاقُطَ الْفَرَاشِ فِي النَّارِ فَتَأْخُذَهُمْ كَيْفَ شِئْتَ.
فَصَبَرَ كِسْرَى حَتَّى جَاءُوا حِنْوَ ذِي قَارٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ كِسْرَى النُّعْمَانَ بْنَ زُرْعَةَ يُخَيِّرُهُمْ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعْطُوا بِأَيْدِيهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكُوا دِيَارَهُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُحَارِبُوا. فَوَلُّوا أَمْرَهُمْ حَنْظَلَةَ بْنَ ثَعْلَبَةَ الْعِجْلِيَّ، فَأَشَارَ بِالْحَرْبِ، فَآذَنُوا الْمَلِكَ بِالْحَرْبِ، فَأَرْسَلَ كِسْرَى إِيَاسَ بْنَ قَبِيصَةَ الطَّائِيَّ أَمِيرَ الْجَيْشِ، وَمَعَهُ مَرَازِبَةُ الْفُرْسِ وَالْهَامَرْزُ التُّسْتَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعَرَبِ تَغْلِبَ وَإِيَادَ وَقَيْسَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ قَيْسِ بْنِ ذِي الْجَدَّيْنِ، وَكَانَ عَلَى طَفِّ سَفَوَانَ، فَأَرْسَلَ الْفُيُولَ، وَكَانَ قَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَسَّمَ هَانِئُ بْنُ مَسْعُودٍ دُرُوعَ النُّعْمَانِ وَسِلَاحَهُ.
فَلَمَّا دَنَتِ الْفُرْسُ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ قَالَ هَانِئُ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا مَعْشَرَ بَكْرٍ، إِنَّهُ لَا طَاقَةَ لَكُمْ فِي قِتَالِ كِسْرَى فَارْكَنُوا إِلَى الْفَلَاةِ. فَسَارَعَ النَّاسُ إِلَى ذَلِكَ، فَوَثَبَ حَنْظَلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْعِجْلِيُّ وَقَالَ: يَا هَانِئُ أَرَدْتَ نَجَاءَنَا فَأَلْقَيْتَنَا فِي الْهَلَكَةِ، وَرَدَّ النَّاسَ وَقَطَّعَ وُضُنَ الْهَوَادِجِ، وَهِيَ الْحُزُمُ لِلرِّجَالِ، فَسُمِّيَ مُقَطِّعَ الْوُضُنِ، وَضَرَبَ عَلَى نَفْسِهِ قُبَّةً، وَأَقْسَمَ أَلَّا يَفِرَّ حَتَّى تَفِرَّ الْقُبَّةُ، فَرَجَعَ النَّاسُ وَاسْتَقَوْا مَاءً لِنِصْفِ شَهْرٍ. فَأَتَتْهُمُ الْعَجَمُ فَقَاتَلَتْهُمْ بِالْحِنْوِ، فَانْهَزَمَتِ الْعَجَمُ خَوْفًا مِنَ الْعَطَشِ إِلَى الْجُبَابَاتِ، فَتَبِعَتْهُمْ بَكْرٌ وَعِجْلٌ وَأَبْلَتْ يَوْمَئِذٍ بَلَاءً حَسَنًا، وَاضْطَمَّتْ عَلَيْهِمْ جُنُودُ الْعَجَمِ، فَقَالَ النَّاسُ: هَلَكَتْ عِجْلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute