تَظُنُّ أَنَّهَا لَا تَلِدُ، فَلَمَّا وَطِئَهَا عَلِقَتْ بِيَزْدَجِرْدَ فَكَتَمَتْهُ خَمْسَ سِنِينَ، ثُمَّ إِنَّهَا رَأَتْ مِنْ كِسْرَى رِقَّةً لِلصِّبْيَانِ حِينَ كَبِرَ فَقَالَتْ: أَيَسُرُّكَ أَنْ تَرَى لِبَعْضِ بَنِيكَ وَلَدًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَتَتْهُ بِيَزْدَجِرْدَ، فَأَحَبَّهُ وَقَرَّبَهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَلْعَبُ ذَاتَ يَوْمٍ ذَكَرَ مَا قِيلَ، فَأَمَرَ بِهِ، فَجُرِّدَ مِنْ ثِيَابِهِ، فَرَأَى النَّقْصَ فِي أَحَدِ وَرِكَيْهِ فَأَرَادَ قَتْلَهُ، فَمَنَعَتْهُ شِيرِينُ وَقَالَتْ: إِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي الْمُلْكِ قَدْ حَضَرَ فَلَا مَرَدَّ لَهُ، فَأَمَرَتْ بِهِ فَحُمِلَ إِلَى سِجِسْتَانَ، وَقِيلَ: بَلْ تَرَكَتْهُ فِي السَّوَادِ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا خَمَانِيَّةُ. وَلَمَّا قُتِلَ كِسْرَى أَبْرَوِيزُ بْنُ هُرْمُزَ مَلَكَ ابْنُهُ شِيرَوَيْهِ.
ذِكْرُ مُلْكِ كِسْرَى شِيرَوَيْهِ بْنِ أَبْرَوِيزَ بْنِ هُرْمُزَ بْنِ أَنُوشِرْوَانَ
لَمَّا مَلَكَ شِيرَوَيْهِ بْنُ أَبْرَوِيزَ وَأُمُّهُ مَرْيَمُ ابْنَةُ مُورِيقَ مَلِكُ الرُّومِ وَاسْمُهُ قُبَاذُ، دَخَلَ عَلَيْهِ الْعُظَمَاءُ وَالْأَشْرَافُ فَقَالُوا: لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ لَنَا مَلِكَانِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتُلَ كِسْرَى وَنَحْنُ عَبِيدُكَ، وَإِمَّا أَنْ نَخْلَعَكَ وَنُطِيعَهُ.
فَانْكَسَرَ شِيرَوَيْهِ وَنَقَلَ أَبَاهُ مِنْ دَارِ الْمُلْكِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ حَبَسَهُ فِيهِ، ثُمَّ جَمَعَ الْعُظَمَاءَ وَقَالَ: قَدْ رَأَيْنَا الْإِرْسَالَ إِلَى كِسْرَى بِمَا كَانَ مِنْ إِسَاءَتِهِ وَنُوقِفُهُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْهَا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ أُسْتَاذُ خُشْنُشْ كَانَ يَلِي تَدْبِيرَ الْمَمْلَكَةِ، وَقَالَ لَهُ: قُلْ لِأَبِينَا الْمَلِكَ عَنْ رِسَالَتِنَا: إِنَّ سُوءَ أَعْمَالِكَ فَعَلَ بِكَ مَا تَرَى، مِنْهَا جُرْأَتُكَ عَلَى أَبِيكَ، وَسَمْلُكَ عَيْنَيْهِ وَقَتْلُكَ إِيَّاهُ، وَمِنْهَا سُوءُ صَنِيعِكَ إِلَيْنَا مَعْشَرَ أَبْنَائِكَ فِي مَنْعِنَا مِنْ مُجَالَسَةِ النَّاسِ وَكُلِّ مَا لَنَا فِيهِ دَعَةٌ، وَمِنْهَا إِسَاءَتُكَ إِلَى مَنْ خَلَّدْتَ فِي السُّجُونِ، وَمِنْهَا إِسَاءَتُكَ إِلَى النِّسَاءِ تَأْخُذُهُنَّ لِنَفْسِكَ وَتَرْكُكَ الْعَطْفَ عَلَيْهِنَّ، وَمَنْعُهُنَّ مِمَّنْ يُعَاشِرُهُنَّ وَيُرْزَقْنَ مِنْهُ الْوَلَدَ، وَمِنْهَا مَا أَتَيْتَ إِلَى رَعِيَّتِكَ عَامَّةً مِنَ الْعُنْفِ وَالْغِلْظَةِ وَالْفَظَاظَةِ، وَمِنْهَا جَمْعُ الْأَمْوَالِ فِي شِدَّةٍ وَعُنْفٍ مِنْ أَرْبَابِهَا، وَمِنْهَا تَجْمِيرُكَ الْجُنُودَ فِي ثُغُورِ الرُّومِ وَغَيْرِهَا، وَتَفْرِيقُكَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِيهِمْ، وَمِنْهَا غَدْرُكَ بِمُورِيقَ مَلِكِ الرُّومِ مَعَ إِحْسَانِهِ إِلَيْكَ وَحُسْنِ بَلَائِهِ عِنْدَكَ وَتَزْوِيجِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute